سورة يوسف : الآية 20

تفسير الآية 20 سورة يوسف

وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍۭ بَخْسٍ دَرَٰهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا۟ فِيهِ مِنَ ٱلزَّٰهِدِينَ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

وباعه إخوته للواردين من المسافرين بثمن قليل من الدراهم، وكانوا زاهدين فيه راغبين في التخلص منه؛ وذلك أنهم لا يعلمون منزلته عند الله.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«وشروه» باعوه منهم «بثمن بخس» ناقص «دراهم معدودة» عشرين أو اثنين وعشرين «وكانوا» أي إخوته «فيه من الزاهدين» فجاءت به السيارة إلى مصر فباعه الذي اشتراه بعشرين دينارا وزوجي نعل وثوبين.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

تفسير الآيتين 19 و20 :أي: مكث يوسف في الجب ما مكث، حتى جَاءَتْ سَيَّارَةٌ أي: قافلة تريد مصر، فَأَرْسَلُوا وَارِدَهُمْ أي: فرطهم ومقدمهم، الذي يعس لهم المياه، ويسبرها ويستعد لهم بتهيئة الحياض ونحو ذلك، فَأَدْلَى ذلك الوارد دَلْوَهُ فتعلق فيه يوسف عليه السلام وخرج. قَالَ يَا بُشْرَى هَذَا غُلَامٌ أي: استبشر وقال: هذا غلام نفيس، وَأَسَرُّوهُ بِضَاعَةً وكان إخوته قريبا منه، فاشتراه السيارة منهم، بِثَمَنٍ بَخْسٍ أي: قليل جدا، فسره بقوله: دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ لأنه لم يكن لهم قصد إلا تغييبه وإبعاده عن أبيه، ولم يكن لهم قصد في أخذ ثمنه، والمعنى في هذا: أن السيارة لما وجدوه، عزموا أن يُسِرُّوا أمره، ويجعلوه من جملة بضائعهم التي معهم، حتى جاءهم إخوته فزعموا أنه عبد أبق منهم، فاشتروه منهم بذلك الثمن، واستوثقوا منهم فيه لئلا يهرب، والله أعلم.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

وقوله : ( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة ) يقول تعالى : وباعه إخوته بثمن قليل ، قاله مجاهد وعكرمة .والبخس : هو النقص ، كما قال تعالى : ( فلا يخاف بخسا ولا رهقا ) [ الجن : 13 ] أي : اعتاض عنه إخوته بثمن دون قليل ، وكانوا مع ذلك فيه من الزاهدين ، أي : ليس لهم رغبة فيه ، بل لو سئلوه بلا شيء لأجابوا .قال ابن عباس ، ومجاهد ، والضحاك : إن الضمير في قوله : ( وشروه ) عائد على إخوة يوسف .وقال قتادة : بل هو عائد على السيارة .والأول أقوى; لأن قوله : ( وكانوا فيه من الزاهدين ) إنما أراد إخوته ، لا أولئك السيارة; لأن السيارة استبشروا به وأسروه بضاعة ، ولو كانوا فيه زاهدين لما اشتروه ، فيرجح من هذا أن الضمير في ) وشروه ) إنما هو لإخوته .وقيل : المراد بقوله : ( بخس ) الحرام . وقيل : الظلم . وهذا وإن كان كذلك ، لكن ليس هو المراد هنا; لأن هذا معلوم يعرفه كل أحد أن ثمنه حرام على كل حال ، وعلى كل أحد ، لأنه نبي ، ابن نبي ، ابن نبي ، ابن خليل الرحمن ، فهو الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم ، وإنما المراد هنا بالبخس الناقص أو الزيوف أو كلاهما ، أي : إنهم إخوته ، وقد باعوه ومع هذا بأنقص الأثمان; ولهذا قال : ( دراهم معدودة ) فعن ابن مسعود باعوه بعشرين درهما ، وكذا قال ابن عباس ، ونوف البكالي ، والسدي ، وقتادة ، وعطية العوفي وزاد : اقتسموها درهمين درهمين .وقال مجاهد : اثنان وعشرون درهما .وقال محمد بن إسحاق وعكرمة : أربعون درهما .وقال الضحاك في قوله : ( وكانوا فيه من الزاهدين ) وذلك أنهم لم يعلموا نبوتهومنزلته عند الله عز وجل .وقال مجاهد : لما باعوه جعلوا يتبعونهم ويقولون لهم : استوثقوا منه لا يأبق حتى وقفوه بمصر ، فقال : من يبتاعني وليبشر ؟ فاشتراه الملك ، وكان مسلما .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

وقوله: - سبحانه- وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَراهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ بيان لما فعله السيارة بيوسف بعد أن أسروه بضاعة.وقوله شَرَوْهُ هنا بمعنى باعوه.والبخس: النقص، يقال بخس فلان فلانا حقه، إذا نقصه وعابه. وهو هنا بمعنى المبخوس.ودَراهِمَ جمع درهم، وهي بدل من بِثَمَنٍ.ومَعْدُودَةٍ صفة لدراهم، وهي كناية عن كونها قليلة، لأن الشيء القليل يسهل عده، بخلاف الشيء الكثير، فإنه في الغالب يوزن وزنا.والمعنى: أن هؤلاء المسافرين بعد أن أخذوا يوسف ليجعلوه عرضا من عروض تجارتهم، باعوه في الأسواق بثمن قليل تافه، وهو عبارة عن دراهم معدودة، ذكر بعضهم أنها لا تزيد على عشرين درهما.وقوله: وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ بيان لعدم حرصهم على بقائه معهم، إذ أصل الزهد قلة الرغبة في الشيء، تقول زهدت في هذا الشيء، إذا كنت كارها له غير مقبل عليه.أى: وكان هؤلاء الذين باعوه من الزاهدين في بقائه معهم، الراغبين في التخلص منه بأقل ثمن قبل أن يظهر من يطالبهم به.قال الآلوسى ما ملخصه: «وزهدهم فيه سببه أنهم التقطوه من الجب، والملتقط للشيء متهاون به لا يبالى أن يبيعه بأى ثمن خوفا من أن يعرض له مستحق ينزعه منه ... »

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( وشروه ) أي : باعوه ( بثمن بخس ) قال الضحاك ، ومقاتل ، والسدي : حرام لأن ثمن الحر حرام ، وسمي الحرام بخسا لأنه مبخوس البركة .وعن ابن عباس ، وابن مسعود : بخس أي زيوف .وقال عكرمة والشعبي : بثمن قليل .( دراهم ) بدل من الثمن ( معدودة ) ذكر العدد عبارة عن قلتها .وقيل : إنما قال معدودة لأنهم كانوا في ذلك الزمان لا يزنون ما كان أقل من أربعين درهما ، إنما كانوا يعدونها عدا ، فإذا بلغت أوقية وزنوها .واختلفوا في عدد تلك الدراهم : قال ابن عباس ، وابن مسعود ، وقتادة : عشرون درهما ، فاقتسموها درهمين درهمين .وقال مجاهد : اثنان وعشرون درهما .وقال عكرمة : أربعون درهما .( وكانوا ) يعني : إخوة يوسف ( فيه ) أي : في يوسف ( من الزاهدين ) لأنهم لم يعلموا منزلته عند الله .وقيل : كانوا في الثمن من الزاهدين ، لأنهم لم يكن قصدهم تحصيل الثمن ، إنما كان قصدهم تبعيد يوسف عن أبيه .ثم انطلق مالك بن ذعر وأصحابه بيوسف فتبعهم إخوته يقولون : استوثقوا منه لا يأبق ، قال : فذهبوا به حتى قدموا مصر وعرضه مالك على البيع فاشتراه قطفير قاله ابن عباس .وقيل : إظفير صاحب أمر الملك ، وكان على خزائن مصر يسمى العزيز وكان الملك يومئذ بمصر ونواحيها الريان بن الوليد بن شروان من العمالقة .وقيل : إن هذا الملك لم يمت حتى آمن واتبع يوسف على دينه ، ثم مات ويوسف حي .قال ابن عباس رضي الله عنهما : لما دخلوا مصر تلقى قطفير مالك بن ذعر فابتاع منه يوسف بعشرين دينارا وزوج نعل وثوبين أبيضين .وقال وهب بن منبه : قدمت السيارة بيوسف مصر فدخلوا به السوق يعرضونه للبيع ، فترافع الناس في ثمنه حتى بلغ ثمنه وزنه ذهبا ووزنه فضة ووزنه مسكا وحريرا ، وكان وزنه أربعمائة رطل ، وهو ابن ثلاث عشرة سنة فابتاعه قطفير من مالك بن ذعر بهذا الثمن ، فذلك قوله تعالى :

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين فيه ست مسائل : الأولى : قوله تعالى : وشروه يقال : شريت بمعنى اشتريت ، وشريت بمعنى بعت لغة ; قال الشاعر :وشريت بردا ليتني من بعد برد كنت هامهأي بعت . وقال آخر :فلما شراها فاضت العين عبرة وفي الصدر حزاز من اللوم حامزبثمن بخس أي نقص ; وهو هنا مصدر وضع موضع الاسم ; أي باعوه بثمن مبخوس ، أي منقوص . ولم يكن قصد إخوته ما يستفيدونه من ثمنه ، وإنما كان قصدهم ما يستفيدونه من خلو وجه أبيهم عنه . وقيل : إن يهوذا رأى من بعيد أن يوسف أخرج من الجب فأخبر إخوته فجاءوا وباعوه من الواردة . وقيل : لا بل عادوا بعد ثلاث إلى البئر يتعرفون الخبر ، فرأوا أثر السيارة فاتبعوهم وقالوا : هذا عبدنا أبق منا فباعوه منهم . وقال قتادة : " بخس " ظلم وقال الضحاك ومقاتل والسدي وابن عطاء : " بخس " حرام . وقال ابن العربي : ولا وجه له ، وإنما الإشارة فيه إلى أنه لم يستوف ثمنه بالقيمة ; لأن إخوته إن كانوا باعوه فلم يكن قصدهم ما يستفيدونه من ثمنه ، وإنما كان قصدهم ما يستفيدون من خلو وجه أبيهم عنه ; وإن كان الذين باعوه الواردة فإنهم أخفوه مقتطعا ; أو قالوا لأصحابهم : أرسل معنا بضاعة فرأوا أنهم لم يعطوا عنه ثمنا وأن ما أخذوا فيه ربح كله .قلت : قوله - وإنما الإشارة فيه إلى أنه لم يستوف ثمنه بالقيمة - يدل على أنهم لو أخذوا القيمة فيه كاملة كان ذلك جائزا وليس كذلك ; فدل على صحة ما قاله السدي وغيره ; لأنهم أوقعوا البيع على نفس لا يجوز بيعها ، فلذلك كان لا يحل لهم ثمنه . وقال عكرمة والشعبي : قليل . وقال ابن حيان : زيف . وعن ابن عباس وابن مسعود باعوه بعشرين درهما أخذ كل واحد من إخوته درهمين ، وكانوا عشرة ; وقاله قتادة والسدي . وقال أبو العالية ومقاتل : اثنين وعشرين درهما ، وكانوا أحد عشر أخذ كل واحد درهمين ; وقاله مجاهد . وقال عكرمة : أربعين درهما ; وما روي عن الصحابة أولى . و " بخس " من نعت " ثمن " .دراهم معدودة على البدل والتفسير له . ويقال : دراهيم على أنه جمع درهام ، وقد يكون اسما للجمع عند سيبويه ، ويكون أيضا عنده على أنه مد الكسرة فصارت ياء ، وليس هذا مثل مد المقصور ; لأن مد المقصور لا يجوز عند البصريين في شعر ولا غيره . وأنشد النحويون :تنفي يداها الحصى في كل هاجرة نفي الدراهيم تنقاد الصياريف" معدودة " نعت ; وهذا يدل على أن الأثمان كانت تجري عندهم عدا لا وزنا بوزن . وقيل : هو عبارة عن قلة الثمن ; لأنها دراهم لم تبلغ أن توزن لقلتها ; وذلك أنهم كانوا لا يزنون ما كان دون الأوقية ، وهي أربعون درهما .الثانية : قال القاضي ابن العربي : وأصل النقدين الوزن ; قال - صلى الله عليه وسلم - : لا تبيعوا الذهب بالذهب ولا الفضة بالفضة إلا وزنا بوزن من زاد أو ازداد فقد أربى . والزنة لا فائدة فيها إلا المقدار ; فأما عينها فلا منفعة فيه ، ولكن جرى فيها العد تخفيفا عن الخلق لكثرة المعاملة ، فيشق الوزن ; حتى لو ضرب مثاقيل أو دراهم لجاز بيع بعضها ببعض عدا إذا لم يكن بها نقصان ولا رجحان ; فإن نقصت عاد الأمر إلى الوزن ; ولأجل ذلك كان كسرها أو قرضها من الفساد في الأرض حسب ما تقدم .الثالثة : واختلف العلماء في الدراهم والدنانير هل تتعين أم لا ؟ وقد اختلفت الرواية في ذلك عن مالك : فذهب أشهب إلى أن ذلك لا يتعين ، وهو الظاهر من قول مالك ; وبه قال أبو حنيفة . وذهب ابن القاسم إلى أنها تتعين ، وحكي عن الكرخي ; وبه قال الشافعي . وفائدة الخلاف أنا إذا قلنا لا تتعين فإذا قال : بعتك هذه الدنانير بهذه الدراهم تعلقت الدنانير بذمة صاحبها ، والدراهم بذمة صاحبها ; ولو تعينت ثم تلفت لم يتعلق بذمتهما شيء ، وبطل العقد كبيع الأعيان من العروض وغيرها .الرابعة : روي عن الحسن بن علي - رضي الله عنهما - أنه قضى في اللقيط أنه حر ، وقرأ : وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وقد مضى القول فيه .الخامسة : قوله تعالى : وكانوا فيه من الزاهدين قيل : المراد إخوته . وقيل : السيارة . وقيل : الواردة ; وعلى أي تقدير فلم يكن عندهم غبيطا ، لا عند الإخوة ; لأن المقصد زواله عن أبيه لا ماله ، ولا عند السيارة لقول الإخوة إنه عبد أبق منا - والزهد قلة الرغبة - ولا عند الواردة لأنهم خافوا اشتراك أصحابهم معهم ، ورأوا أن القليل من ثمنه في الانفراد أولى .السادسة : في هذه الآية دليل واضح على جواز شراء الشيء الخطير بالثمن اليسير ، ويكون البيع لازما ; ولهذا قال مالك : لو باع درة ذات خطر عظيم بدرهم ثم قال لم أعلم أنها درة وحسبتها مخشلبة لزمه البيع ولم يلتفت إلى قوله .وقيل : وكانوا فيه من الزاهدين أي في حسنه ; لأن الله تعالى وإن أعطى يوسف شطر الحسن صرف عنه دواعي نفوس القوم إليه إكراما له . وقيل : وكانوا فيه من الزاهدين لم يعلموا منزلته عند الله تعالى . وحكى سيبويه والكسائي : زهدت وزهدت بكسر الهاء وفتحها .
ex