سورة يوسف : الآية 101

تفسير الآية 101 سورة يوسف

۞ رَبِّ قَدْ ءَاتَيْتَنِى مِنَ ٱلْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِى مِن تَأْوِيلِ ٱلْأَحَادِيثِ ۚ فَاطِرَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلْأَرْضِ أَنتَ وَلِىِّۦ فِى ٱلدُّنْيَا وَٱلْءَاخِرَةِ ۖ تَوَفَّنِى مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِى بِٱلصَّٰلِحِينَ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

ثم دعا يوسف ربه قائلا ربِّ قد أعطيتني من ملك "مصر"، وعلَّمتني من تفسير الرؤى وغير ذلك من العلم، يا خالق السموات والأرض ومبدعهما، أنت متولي جميع شأني في الدنيا والآخرة، توفني إليك مسلمًا، وألحقني بعبادك الصالحين من الأنبياء الأبرار والأصفياء الأخيار.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث» تعبير الرؤيا «فاطر» خالق «السماوات والأرض أنت وليي» متولي مصالحي «في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحين» من آبائي فعاش بعد ذلك أسبوعا أو أكثر ومات وله مائة وعشرون سنة وتشاح المصريون في قبره فجعلوه في صندوق من مرمر ودفنوه في أعلى النيل لتعم البركة جانبيه فسبحان من لا انقضاء لملكه.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

لما أتم الله ليوسف ما أتم من التمكين في الأرض والملك، وأقر عينه بأبويه وإخوته، وبعد العلم العظيم الذي أعطاه الله إياه، قال مقرا بنعمة الله شاكرا لها داعيا بالثبات على الإسلام: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وذلك أنه كان على خزائن الأرض وتدبيرها ووزيرا كبيرا للملك وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ أي: من تأويل أحاديث الكتب المنزلة وتأويل الرؤيا وغير ذلك من العلم فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا أي: أدم عليّ الإسلام وثبتني عليه حتى توفاني عليه، ولم يكن هذا دعاء باستعجال الموت، وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ من الأنبياء الأبرار والأصفياء الأخيار.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

هذا دعاء من يوسف الصديق ، دعا به ربه عز وجل ، لما تمت النعمة عليه ، باجتماعه بأبويه وإخوته ، وما من الله به عليه من النبوة والملك ، سأل ربه عز وجل ، كما أتم نعمته عليه في الدنيا أن يستمر بها عليه في الآخرة ، وأن يتوفاه مسلما حين يتوفاه . قاله الضحاك ، وأن يلحقه بالصالحين ، وهم إخوانه من النبيين والمرسلين ، صلوات الله وسلامه [ عليه و ] عليهم أجمعين .وهذا الدعاء يحتمل أن يوسف ، عليه السلام ، قاله عند احتضاره ، كما ثبت في الصحيحين عن عائشة ، رضي الله عنها; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - جعل يرفع أصبعه عند الموت ، ويقول : " اللهم في الرفيق الأعلى ، اللهم في الرفيق الأعلى ، اللهم في الرفيق الأعلى " .ويحتمل أنه سأل الوفاة على الإسلام واللحاق بالصالحين إذا حان أجله ، وانقضى عمره; لا أنه سأل ذلك منجزا ، كما يقول الداعي لغيره : " أماتك الله على الإسلام " . ويقول الداعي : " اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين " .ويحتمل أنه سأل ذلك منجزا ، وكان ذلك سائغا في ملتهم ، كما قال قتادة : قوله : ( توفني مسلما وألحقني بالصالحين ) لما جمع الله شمله وأقر عينه ، وهو يومئذ مغمور في الدنيا وملكها وغضارتها ، فاشتاق إلى الصالحين قبله ، وكان ابن عباس يقول : ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف ، عليه السلام .وكذا ذكر ابن جرير والسدي عن ابن عباس : أنه أول نبي دعا بذلك . وهذا يحتمل أنه أول من سأل الوفاة على الإسلام . كما أن نوحا أول من قال : ( رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا ) [ نوح : 28 ] ويحتمل أنه أول من سأل نجاز ذلك ، وهو ظاهر سياق قتادة ، ولكن هذا لا يجوز في شريعتنا .قال الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، حدثنا عبد العزيز بن صهيب ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ، فإن كان لا بد متمنيا الموت فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " .[ ورواه البخاري ومسلم ، وعندهما : " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به إما محسنا فيزداد ، وإما مسيئا فلعله يستعتب ، ولكن ليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " ] .وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو المغيرة ، حدثنا معان بن رفاعة ، حدثني علي بن يزيد ، عن القاسم ، عن أبي أمامة قال : جلسنا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فذكرنا ورققنا ، فبكى سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء ، فقال : يا ليتني مت! فقال النبي ، صلى الله عليه وسلم : " يا سعد أعندي تتمنى الموت ؟ " فردد ذلك [ ثلاث ] مرات ثم قال : " يا سعد ، إن كنت خلقت للجنة ، فما طال عمرك ، أو حسن من عملك ، فهو خير لك "وقال الإمام أحمد : حدثنا حسن ، حدثنا ابن لهيعة ، حدثنا أبو يونس - هو سليم بن جبير - عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " لا يتمنين أحدكم الموت ولا يدعون به من قبل أن يأتيه ، إلا أن يكون قد وثق بعمله ، فإنه إذا مات أحدكم انقطع عنه عمله ، وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا " تفرد به أحمد .وهذا فيما إذا كان الضر خاصا به ، أما إذا كان فتنة في الدين فيجوز سؤال الموت ، كما قال الله تعالى إخبارا عن السحرة لما أرادهم فرعون عن دينهم وتهددهم بالقتل قالوا : ( ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين ) [ الأعراف : 126 ] وقالت مريم لما أجاءها المخاض ، وهو الطلق ، إلى جذع النخلة ( ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا ) [ مريم : 23 ] لما تعلم من أن الناس يقذفونها بالفاحشة; لأنها لم تكن ذات زوج وقد حملت وولدت ، فيقول القائل أنى لها هذا ؟ ولهذا واجهوها أولا بأن قالوا : ( يا مريم لقد جئت شيئا فريا يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا ) [ مريم : 27 ، 28 ] فجعل الله لها من ذلك الحال فرجا ومخرجا ، وأنطق الصبي في المهد بأنه عبد الله ورسوله ، وكان آية عظيمة ومعجزة باهرة ، صلوات الله وسلامه عليه ، وفي حديث معاذ ، الذي رواه الإمام أحمد والترمذي ، في قصة المنام والدعاء الذي فيه : " وإذا أردت بقوم فتنة ، فتوفني إليك غير مفتون " .وقال الإمام أحمد : حدثنا أبو سلمة ، أنا عبد العزيز بن محمد ، عن عمرو ، عن عاصم ، عن عمر بن قتادة ، عن محمود بن لبيد ; أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " اثنتان يكرههما ابن آدم الموت ، والموت خير للمؤمن [ من الفتنة ] . ويكره قلة المال ، وقلة المال أقل للحساب " .فعند حلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت ; ولهذا قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - في آخر إمارته لما رأى أن الأمور لا تجتمع له ، ولا يزداد الأمر إلا شدة قال : اللهم ، خذني إليك ، فقد سئمتهم وسئموني .وقال البخاري ، رحمه الله ، لما وقعت له تلك المحن وجرى له ما جرى مع أمير خراسان : اللهم توفني إليك .وفي الحديث : " إن الرجل ليمر بالقبر - أي في زمان الدجال - فيقول : يا ليتني مكانك " لما يرى من الفتن والزلازل والبلابل والأمور الهائلة التي هي فتنة لكل مفتون .قال أبو جعفر بن جرير : وذكر أن بني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا ، استغفر لهم أبوهم ، فتاب الله عليهم وعفا عنهم ، وغفر لهم ذنوبهم .[ ذكر من قال ذلك ] :حدثنا القاسم ، حدثنا الحسن ، حدثني حجاج ، عن صالح المري ، عن يزيد الرقاشي ، عن أنس بن مالك قال : إن الله تعالى لما جمع ليعقوب شمله ، وأقر عينه خلا ولده نجيا ، فقال بعضهم لبعض : ألستم قد علمتم ما صنعتم ، وما لقي منكم الشيخ ، وما لقي منكم يوسف ؟ قالوا : بلى . قال : فيغركم عفوهما عنكم ، فكيف لكم بربكم ؟ فاستقام أمرهم على أن أتوا الشيخ فجلسوا بين يديه ، ويوسف إلى جنب أبيه قاعدا ، قالوا : يا أبانا ، إنا أتيناك في أمر ، لم نأتك في مثله قط ، ونزل بنا أمر لم ينزل بنا مثله . حتى حركوه ، والأنبياء ، عليهم السلام ، أرحم البرية ، فقال : ما لكم يا بني ؟ قالوا : ألست قد علمت ما كان منا إليك ، وما كان منا إلى أخينا يوسف ؟ قال : بلى . قالوا : أو لستما قد عفوتما ؟ قالا : بلى . قالوا : فإن عفوكما لا يغني عنا شيئا ، إن كان الله لم يعف عنا . قال : فما تريدون يا بني ؟ قالوا : نريد أن تدعو الله لنا ، فإذا جاءك الوحي من الله بأنه قد عفا عما صنعنا قرت أعيننا ، واطمأنت قلوبنا ، وإلا فلا قرة عين في الدنيا أبدا لنا . قال : فقام الشيخ فاستقبل القبلة ، وقام يوسف خلف أبيه ، وقاموا خلفهما أذلة خاشعين . قال : فدعا وأمن يوسف ، فلم يجب فيهم عشرين سنة - قال صالح المري يخيفهم - قال : حتى إذا كان رأس العشرين نزل جبريل ، عليه السلام ، على يعقوب فقال : إن الله بعثني إليك أبشرك بأنه قد أجاب دعوتك في ولدك ، وأنه قد عفا عما صنعوا ، وأنه قد اعتقد مواثيقهم من بعدك على النبوة .هذا الأثر موقوف عن أنس ، ويزيد الرقاشي وصالح المري ضعيفان جدا .وذكر السدي : أن يعقوب ، عليه السلام ، لما حضره الموت ، أوصى إلى يوسف بأن يدفن عند إبراهيم وإسحاق ، فلما مات صبره وأرسله إلى الشام ، فدفن عندهما ، عليهم السلام .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

ثم ختم يوسف- عليه السلام- ثناءه على الله- تعالى- بهذا الدعاء الذي حكاه القرآن عنه في قوله: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ أى: يا رب قد أعطيتنى شيئا عظيما من الملك والسلطان بفضلك وكرمك.وَعَلَّمْتَنِي- أيضا- شيئا كثيرا مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ أى: من تفسيرها وتعبيرها تعبيرا صادقا بتوفيقك وإحسانك.فاطِرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ أى: خالقهما على غير مثال سابق، وهو منصوب على النداء بحرف مقدر أى: يا فاطر السموات والأرض.أَنْتَ وَلِيِّي وناصري ومعينى فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ.تَوَفَّنِي عند ما يدركني أجلى على الإسلام، وأبقنى مُسْلِماً مدة حياتي.وَأَلْحِقْنِي في قبري ويوم الحساب بِالصَّالِحِينَ من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.وبهذا الدعاء الجامع الذي توجه به يوسف إلى ربه- تعالى- يختتم القرآن الكريم قصة يوسف مع أبيه ومع إخوته ومع غيرهم ممن عاشرهم والتقى بهم وهو دعاء يدل على أن يوسف- عليه السلام- لم يشغله الجاه والسلطان ولم يشغله لقاؤه عن طاعة ربه، وعن تذكر الآخرة وما فيها من حساب..وهذا هو شأن المصطفين الأخيار الذين نسأل الله- تعالى- أن يحشرنا معهم، ويلحقنا بهم، ويوفقنا للسير على نهجهم ثم يختتم الله- تعالى- هذه السورة الكريمة بما يدل على أن هذا القرآن من عند الله- تعالى- وبما يدخل التسلية على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم وبما يفتح له باب الأمل في النصر على أعدائه ... فيقول:

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( رب قد آتيتني من الملك ) يعني : ملك مصر والملك : اتساع المقدور لمن له السياسة والتدبير . ( وعلمتني من تأويل الأحاديث ) يعني : تعبير الرؤيا . ( فاطر ) أي : يا فاطر ( فاطر السماوات والأرض ) أي : خالقهما ( أنت وليي ) أي : معيني ومتولي أمري ( في الدنيا والآخرة توفني مسلما ) يقول : اقبضني إليك مسلما ( وألحقني بالصالحين ) يريد بآبائي النبيين .قال قتادة : لم يسأل نبي من الأنبياء الموت إلا يوسف .وفي القصة : لما جمع الله شمله وأوصل إليه أبويه وأهله اشتاق إلى ربه عز وجل فقال هذه المقالة .قال الحسن : عاش بعد هذا سنين كثيرة . وقال غيره : لما قال هذا القول لم يمض عليه أسبوع حتى توفي .واختلفوا في مدة غيبة يوسف عن أبيه ، فقال الكلبي : اثنتان وعشرون سنة .وقيل : أربعون سنة .وقال الحسن : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وغاب عن أبيه ثمانين سنة ، وعاش بعد لقاء يعقوب ثلاثا وعشرين سنة ، ومات وهو ابن مائة وعشرين سنة .وفي التوراة مات وهو ابن مائة وعشر سنين ، وولد ليوسف من امرأة العزيز ثلاثة أولاد : أفرائيم وميشا ورحمة امرأة أيوب المبتلى عليه السلام .وقيل : عاش يوسف بعد أبيه ستين سنة . وقيل : أكثر . واختلفت الأقاويل فيه .وتوفي وهو ابن مائة وعشرين سنة ، فدفنوه في النيل في صندوق من رخام ، وذلك أنه لما مات تشاح الناس فيه فطلب أهل كل محلة أن يدفن في محلتهم رجاء بركته ، حتى هموا بالقتال ، فرأوا أن يدفنوه في النيل حيث يتفرق الماء بمصر ليجري الماء عليه وتصل بركته إلى جميعهم .وقال عكرمة : دفن في الجانب الأيمن من النيل ، فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر ، [ فنقل إلى الجانب الأيسر فأخصب ذلك الجانب وأجدب الجانب الآخر ] ، فدفنوه في وسطه وقدروا ذلك بسلسلة فأخصب الجانبان جميعا إلى أن أخرجه موسى فدفنه بقرب آبائه بالشام .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث فاطر السماوات والأرض أنت وليي في الدنيا والآخرة توفني مسلما وألحقني بالصالحينقوله تعالى : رب قد آتيتني من الملك وعلمتني من تأويل الأحاديث قال قتادة : لم يتمن الموت أحد ; نبي ولا غيره إلا يوسف - عليه السلام - ; حين تكاملت عليه النعم وجمع له الشمل اشتاق إلى لقاء ربه - عز وجل - . وقيل : إن يوسف لم يتمن الموت ، وإنما تمنى الوفاة على الإسلام ; أي إذا جاء أجلي توفني مسلما ; وهذا قول الجمهور . وقال سهل بن عبد الله التستري : لا يتمنى الموت إلا ثلاث : رجل جاهل بما بعد الموت ، أو رجل يفر من أقدار الله تعالى عليه ، أو مشتاق محب للقاء الله - عز وجل - . وثبت في الصحيح عن أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنيا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي رواه مسلم . وفيه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا يتمنى أحدكم الموت ولا يدع به من قبل أن يأتيه إنه إذا مات أحدكم انقطع عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمره إلا خيرا . وإذا ثبت هذا فكيف يقال : إن يوسف - عليه السلام - تمنى الموت والخروج من الدنيا وقطع العمل ؟ هذا بعيد ! إلا أن يقال : إن ذلك كان جائزا في شرعه ; أما أنه يجوز تمني الموت والدعاء به عند ظهور الفتن وغلبتها ، وخوف ذهاب الدين ، على ما بيناه في كتاب " التذكرة " . و " من " من قوله : " من الملك " للتبعيض ، وكذلك قوله : وعلمتني من تأويل الأحاديث لأن ملك مصر ما كان كل الملك ، وعلم التعبير ما كان كل العلوم . وقيل : من للجنس كقوله : فاجتنبوا الرجس من الأوثان وقيل : للتأكد . أي آتيتني الملك وعلمتني تأويل الأحاديثقوله تعالى : فاطر السماوات والأرض نصب على النعت للنداء ، وهو " رب " ، وهو نداء مضاف ; والتقدير : يا رب ! ويجوز أن يكون نداء ثانيا . والفاطر الخالق ; فهو سبحانه فاطر الموجودات ، أي خالقها ومبدئها ومنشئها ومخترعها على الإطلاق من غير شيء ، ولا مثال سبق ; وقد تقدم هذا المعنى في " البقرة " مستوفى ; عند قوله : بديع السماوات والأرض وزدناه بيانا في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى .أنت وليي أي ناصري ومتولي أموري في الدنيا والآخرة .توفني مسلما وألحقني بالصالحين يريد آباءه الثلاثة ; إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فتوفاه الله طاهرا طيبا - صلى الله عليه وسلم - بمصر ، ودفن في النيل في صندوق من رخام ; وذلك أنه لما مات تشاح الناس عليه ; كل يحب أن يدفن في محلتهم ، لما يرجون من بركته ; واجتمعوا على ذلك حتى هموا بالقتال ، فرأوا أن يدفنوه في النيل من حيث مفرق الماء بمصر ، فيمر عليه الماء ، ثم يتفرق في جميع مصر ، فيكونوا فيه شرعا ففعلوا ; فلما خرج موسى ببني إسرائيل أخرجه من النيل : ونقل تابوته بعد أربعمائة سنة إلى بيت المقدس ، فدفنوه مع آبائه لدعوته : وألحقني بالصالحين وكان عمره مائة عام وسبعة أعوام . وعن الحسن قال : ألقي يوسف في الجب وهو ابن سبع عشرة سنة ، وكان في العبودية والسجن والملك ثمانين سنة ، ثم جمع له شمله فعاش بعد ذلك ثلاثا وعشرين سنة ; وكان له من الولد إفراثيم ، ومنشا ، ورحمة ، زوجة أيوب ; في قول ابن لهيعة . قال الزهري : وولد لإفراثيم - بن يوسف - نون بن إفراثيم ، وولد لنون يوشع ; فهو يوشع بن نون ، وهو فتى موسى الذي كان معه صاحب أمره ، ونبأه الله في زمن موسى - عليه السلام - ; فكان بعده نبيا ، وهو الذي افتتح أريحا ، وقتل من كان بها من الجبابرة ، واستوقفت له الشمس حسب ما تقدم في " المائدة " . وولد لمنشا بن يوسف موسى بن منشا ، قبل موسى بن عمران . وأهل التوراة يزعمون أنه هو الذي طلب العالم ليتعلم منه حتى أدركه ، والعالم هو الذي خرق السفينة ، وقتل الغلام ، وبنى الجدار ، وموسى بن منشا معه حتى بلغه معه حيث بلغ ; وكان ابن عباس ينكر ذلك ; والحق الذي قاله ابن عباس ; وكذلك في القرآن . ثم كان بين يوسف وموسى أمم وقرون ، وكان فيما بينهما شعيب - صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين - .
ex