سورة طه : الآية 39

تفسير الآية 39 سورة طه

أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِى ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِى ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّى وَعَدُوٌّ لَّهُۥ ۚ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّى وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِىٓ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

وذلك حين ألهمْنا أمَّك: أن ضعي ابنك موسى بعد ولادته في التابوت، ثم اطرحيه في النيل، فسوف يلقيه النيل على الساحل، فيأخذه فرعون عدوي وعدوه. وألقيت عليك محبة مني فصرت بذلك محبوبًا بين العباد، ولِتربى على عيني وفي حفظي. وفي الآية إثبات صفة العين لله - سبحانه وتعالى - كما يليق بجلاله وكماله.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«أن اقذفيه» ألقيه «في التابوت فاقذفيه» بالتابوت «في اليم» بحر النيل «فلْيُلقه اليم بالساحل» أي شاطئه والأمر بمعنى الخبر «يأخذه عدو لي وعدو له» وهو فرعون «وألقيت» بعد أن أخذك «عليك محبة مني» لتحب في الناس فأحبك فرعون وكل من رآك «ولتُصنع على عيني» تربى على رعايتي وحفظي لك.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

تفسير الآيتين 38 و 39 :حيث ألهمنا أمك أن تقذفك في التابوت وقت الرضاع، خوفا من فرعون، لأنه أمر بذبح أبناء بني إسرائيل، فأخفته أمه، وخافت عليه خوفا شديدا فقذفته في التابوت، ثم قذفته في اليم، أي: شط نيل مصر، فأمر الله اليم، أن يلقيه في الساحل، وقيض أن يأخذه، أعدى الأعداء لله ولموسى، ويتربى في أولاده، ويكون قرة عين لمن رآه، ولهذا قال: وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي فكل من رآه أحبه وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي ولتتربى على نظري وفي حفظي وكلاءتي، وأي نظر وكفالة أجلّ وأكمل، من ولاية البر الرحيم، القادر على إيصال مصالح عبده، ودفع المضار عنه؟! فلا ينتقل من حالة إلى حالة، إلا والله تعالى هو الذي دبّر ذلك لمصلحة موسى، ومن حسن تدبيره، أن موسى لما وقع في يد عدوه، قلقت أمه قلقا شديدا، وأصبح فؤادها فارغا، وكادت تخبر به، لولا أن الله ثبتها وربط على قلبها، ففي هذه الحالة، حرم الله على موسى المراضع، فلا يقبل ثدي امرأة قط، ليكون مآله إلى أمه فترضعه، ويكون عندها، مطمئنة ساكنة، قريرة العين، فجعلوا يعرضون عليه المراضع، فلا يقبل ثديا.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

هذه إجابة من الله لرسوله موسى ، عليه السلام ، فيما سأل من ربه عز وجل ، وتذكير له بنعمه السالفة عليه ، فيما كان ألهم أمه حين كانت ترضعه ، وتحذر عليه من فرعون وملئه أن يقتلوه; لأنه كان قد ولد في السنة التي يقتلون فيها الغلمان . فاتخذت له تابوتا ، فكانت ترضعه ثم تضعه فيه ، وترسله في البحر - وهو النيل - وتمسكه إلى منزلها بحبل فذهبت مرة لتربطه فانفلت منها وذهب به البحر ، فحصل لها من الغم والهم ما ذكره الله عنها في قوله : ( وأصبح فؤاد أم موسى فارغا إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها ) [ القصص : 10 ] فذهب به البحر إلى دار فرعون ( فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا ) [ القصص : 8 ] أي قدرا مقدورا من الله ، حيث كانوا هم يقتلون الغلمان من بني إسرائيل ، حذرا من وجود موسى ، فحكم الله - وله السلطان العظيم ، والقدرة التامة - ألا يربى إلا على فراش فرعون ، ويغذى بطعامه وشرابه ، مع محبته وزوجته لهولهذا قال : ( يأخذه عدو لي وعدو له وألقيت عليك محبة مني ) أي : عند عدوك ، جعلته يحبك . قال سلمة بن كهيل : ( وألقيت عليك محبة مني ) قال : حببتك إلى عبادي .( ولتصنع على عيني ) قال أبو عمران الجوني : تربى بعين الله .وقال قتادة : تغذى على عيني .وقال معمر بن المثنى : ( ولتصنع على عيني ) بحيث أرى .وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : يعني أجعله في بيت الملك ينعم ويترف ، غذاؤه عندهم غذاء الملك ، فتلك الصنعة .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

ثم وضح- سبحانه- ما أوحاه إلى أم موسى فقال: أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ، يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَعَدُوٌّ لَهُ ...وأَنِ في قوله أَنِ اقْذِفِيهِ مفسرة، لأن الإيحاء فيه معنى القول دون حروفه.والمراد بالقذف هنا: الوضع، والمراد به في قوله فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ الإلقاء في البحر وهو نيل مصر.والتابوت: الصندوق الذي يوضع فيه الشيء.والمعنى: لقد كان من رعايتنا لك يا موسى أن أوحينا إلى أمك عند ما خافت عليك القتل:أن ضعى ابنك في التابوت، ثم بعد ذلك اقذفيه بالتابوت في البحر، ويأمرنا وقدرتنا يلقى اليم بالتابوت على شاطئ البحر وساحله، وفي هذه الحالة يأخذه عدو لي وعدو له، وهو فرعون الذي طغى وقال لقومه أنا ربكم الأعلى.والضمائر كلها تعود إلى موسى- عليه السلام- وقيل إن الضمير في قوله فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ.وفي قوله فَلْيُلْقِهِ يعود إلى التابوت، والأول أرجح، لأن تفريق الضمائر هنا لا داعي له، بل الذي يقتضيه بلاغة القرآن الكريم، عودة الضمائر إلى موسى- عليه السلام- قال بعض العلماء: وصيغة الأمر في قوله فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ فيها وجهان معروفان عند العلماء.أحدهما: أن صيغة الأمر معناها الخير: قال أبو حيان في البحر: وقوله فَلْيُلْقِهِ أمر معناه الخبر، وجاء بصيغة الأمر مبالغة، إذ الأمر أقطع الأفعال وأوجبها.الثاني: أن صيغة الأمر في قوله فَلْيُلْقِهِ أريد بها الأمر الكونى القدري كقوله: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فالبحر لا بد أن يلقيه بالساحل، لأن الله - تعالى- أمره بذلك كونا وقدرا.. .وقوله يَأْخُذْهُ مجزوم في جواب الطلب وهو قوله فَلْيُلْقِهِ ... إذ أنه على الوجه الأول يكون الطلب باعتبار لفظه وصيغته.وقوله- سبحانه- وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي بيان للمنة الثانية.قال الآلوسى: وكلمة «منى» متعلقة بمحذوف وقع صفة لمحذوف، مؤكدة لما في تنكيرها من الفخامة الذاتية بالفخامة الإضافية. أى: وألقيت عليك محبة عظيمة كائنة منى- لا من غيرى- قد زرعتها في القلوب، فكل من رآك أحبك .ولقد كان من آثار هذه المحبة: عطف امرأة فرعون عليه، وطلبها منه عدم قتله، وطلبها منه كذلك أن يتخذه ولدا.وكان من آثار هذه المحبة أن يعيش موسى في صغره معززا مكرما في بيت فرعون مع أنه في المستقبل سيكون عدوا له.وهكذا رعاية الله- تعالى- ومحبته لموسى جعلته يعيش بين قوى الشر والطغيان آمنا مطمئنا.قال ابن عباس: أحب الله- تعالى- موسى، وحببه إلى خلقه.وقوله- تعالى-: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي بيان للمنة الثالثة ...أى: أوحيت إلى أمك بما أوحيت من أجل مصلحتك ومنفعتك وألقيت عليك محبة منى، ليحبك الناس، ولتصنع على عيني. أى: ولتربى وأنت محاط بالحنو والشفقة تحت رعايتى وعنايتي وعيني، كما يراعى الإنسان بعينه من يحبه ويهتم بأمره.وهذا ما حدث لموسى فعلا، فقد عاش في طفولته تحت عين فرعون، وهو عدو لله- تعالى- ومع ذلك لم تستطع عين فرعون أن تمتد بسوء إلى موسى، لأن عين الله- تعالى- كانت ترعاه وتحميه من بطش فرعون وشيعته.فالجملة الكريمة فيها من الرفق بموسى- عليه السلام- ومن الرعاية له، ما يعجز القلم عن وصفه.وكيف يستطيع القلم وصف حال إنسان قال الله في شأنه: وَلِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي.قال صاحب الكشاف: أى: ولتربى ويحسن إليك وأنا مراعيك ومراقبك كما يراعى الرجل الشيء بعينه إذا اعتنى به، وتقول للصانع اصنع هذا على عيني إنى أنظر إليك لئلا تخالف به عن مرادى وبغيتي.وقوله: وَلِتُصْنَعَ معطوف على علة مضمرة مثل: ليتعطف عليك.. أو حذف معلله أى: ولتصنع على عيني فعلت ذلك .

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( أن اقذفيه في التابوت ) أي : ألهمناها أن اجعليه في التابوت ، ( فاقذفيه في اليم ) يعني نهر النيل ، ( فليلقه اليم بالساحل ) يعني شاطئ النهر ، لفظه أمر ومعناه خبر ، مجازه : حتى يلقيه اليم بالساحل : ( يأخذه عدو لي وعدو له ) يعني فرعون . فاتخذت تابوتا وجعلت فيه قطنا محلوجا ووضعت فيه موسى ، وقيرت رأسه وخصاصه يعني شقوقه ثم ألقته في النيل ، وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون ، فبينما فرعون جالس على رأس البركة مع امرأته آسية إذ بتابوت يجيء به الماء ، فأمر الغلمان والجواري بإخراجه ، فأخرجوه وفتحوا رأسه فإذا صبي من أصبح الناس وجها ، فلما رآه فرعون أحبه بحيث لم يتمالك ، فذلك قوله تعالى :( ( وألقيت عليك محبة مني ) قال ابن عباس : أحبه وحببه إلى خلقه : قال عكرمة : ما رآه أحد إلا أحبه . قال قتادة : ملاحة كانت في عيني موسى ، ما رآه أحد إلا عشقه .( ولتصنع على عيني ) يعني لتربى بمرأى ومنظر مني ، قرأ أبو جعفر " ولتصنع " . بالجزم .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

أن اقذفيه في التابوت قال مقاتل مؤمن آل فرعون هو الذي صنع التابوت ونجره وكان اسمه حزقيل . وكان التابوت من جميز .فاقذفيه في اليم أي اطرحيه في البحر : نهر النيل . فاقذفيه قال الفراء : فاقذفيه في اليم أمر وفيه معنى المجازاة . أي اقذفيه يلقه اليم . وكذا قوله : اتبعوا سبيلنا ولنحمل خطاياكم . يأخذه عدو لي وعدو له يعني فرعون ؛ فاتخذت تابوتا ، وجعلت فيه نطعا ، ووضعت فيه موسى ، وقيرت رأسه وخصاصه يعني شقوقه ثم ألقته في النيل ، وكان يشرع منه نهر كبير في دار فرعون ، فساقه الله في ذلك النهر إلى دار فرعون . وروي أنها جعلت في التابوت قطنا محلوجا ، فوضعته فيه وقيرته وجصصته ، ثم ألقته في اليم . وكان يشرع منه إلى بستان فرعون نهر كبير ، فبينا هو جالس على رأس بركة مع آسية ، إذا بالتابوت ، فأمر به فأخرج ، ففتح فإذا صبي أصبح الناس ، فأحبه عدو الله حبا شديدا لا يتمالك أن يصبر عنه . وظاهر القرآن يدل على أن البحر ألقاه بساحله وهو شاطئه ، فرأى فرعون التابوت بالساحل فأمر بأخذه . ويحتمل أن يكون إلقاء اليم بموضع من الساحل ، فيه فوهة نهر فرعون ، ثم أداه النهر إلى حيث البركة . والله أعلم .وقيل : وجدته ابنة فرعون وكان بها برص ، فلما فتحت التابوت شفيت . وروي أنهم حين التقطوا التابوت عالجوا فتحه فلم يقدروا عليه ، وعالجوا كسره فأعياهم ، فدنت آسية فرأت في جوف التابوت نورا فعالجته ففتحته ، فإذا صبي نوره بين عينيه ، وهو يمص إبهامه لبنا فأحبوه . وكانت لفرعون بنت برصاء ، وقال له الأطباء : لا تبرأ إلا من قبل البحر يوجد فيه شبه إنسان دواؤها ريقه ؛ فلطخت البرصاء برصها بريقه فبرئت . وقيل : لما نظرت إلى وجهه برئت . والله أعلم . وقيل : وجدته جوار لامرأة فرعون ، فلما نظر إليه فرعون فرأى صبيا من أصبح الناس وجها ، فأحبه فرعون .وألقيت عليك محبة مني قال ابن عباس : أحبه الله وحببه إلى خلقه . وقال ابن عطية : جعل عليه مسحة من جمال لا يكاد يصبر عنه من رآه . وقال قتادة : كانت في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلا أحبه وعشقه . وقال عكرمة : المعنى جعلت فيك حسنا وملاحة فلا يراك أحد إلا أحبك . وقال الطبري : المعنى ألقيت عليك رحمتي . وقال ابن زيد : جعلت من رآك أحبك حتى أحبك فرعون فسلمت من شره ، وأحبتك آسية بنت مزاحم فتبنتك . ولتصنع على عيني قال ابن عباس : يريد أن ذلك بعيني حيث جعلت في التابوت ، وحيث ألقي التابوت في البحر ، وحيث التقطك جواري امرأة فرعون ؛ فأردن أن يفتحن التابوت لينظرن ما فيه ، فقالت منهن واحدة : لا تفتحنه حتى تأتين به سيدتكن فهو أحظى لكن عندها ، وأجدر بألا تتهمكن بأنكن وجدتن فيه شيئا فأخذتموه لأنفسكن . وكانت امرأة فرعون لا تشرب من الماء إلا ما استقينه أولئك الجواري فذهبن بالتابوت إليها مغلقا ، فلما فتحته رأت صبيا لم ير مثله قط ؛ وألقي عليها محبته فأخذته فدخلت به على فرعون ، فقالت له : قرة عين لي ولك قال لها فرعون : أما لك فنعم ، وأما لي فلا . فبلغنا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : لو أن فرعون قال نعم هو قرة عين لي ولك لآمن وصدق فقالت : هبه لي ولا تقتله ؛ فوهبه لها . وقيل : ولتصنع على عيني أي تربى وتغذى على مرأى مني ؛ قاله قتادة . قال النحاس : وذلك معروف في اللغة ؛ يقال : صنعت الفرس وأصنعته إذا أحسنت القيام عليه . والمعنى ولتصنع على عيني فعلت ذلك . وقيل : اللام متعلقة بما بعدها من قوله : إذ تمشي أختك على التقديم والتأخير ف ( إذ ) ظرف لتصنع . وقيل : الواو في ولتصنع زائدة . وقرأ ابن القعقاع ( ولتصنع ) بإسكان اللام على الأمر ، وظاهره للمخاطب والمأمور غائب . وقرأ أبو نهيك ( ولتصنع ) بفتح التاء . والمعنى ولتكون حركتك وتصرفك بمشيئتي وعلى عين مني . ذكره المهدوي .
ex