سورة سبإ : الآية 21

تفسير الآية 21 سورة سبإ

وَمَا كَانَ لَهُۥ عَلَيْهِم مِّن سُلْطَٰنٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَن يُؤْمِنُ بِٱلْءَاخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِى شَكٍّ ۗ وَرَبُّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ حَفِيظٌ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

وما كان لإبليس على هؤلاء الكفار مِن قهر على الكفر، ولكن حكمة الله اقتضت تسويله لبني آدم؛ ليظهر ما علمه سبحانه في الأزل؛ لنميز مَن يصدِّق بالبعث والثواب والعقاب ممن هو في شك من ذلك. وربك على كل شيء حفيظ، يحفظه ويجازي عليه.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«وما كان له عليهم من سلطان» تسليط «إلا لنعلم» علم ظهور «من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك» فنجازي كلا منهما «وربك على شيء حفيظ» رقيب.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

ثم قال تعالى: وَمَا كَانَ لَهُ أي: لإبليس عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ أي: تسلط وقهر, وقسر على ما يريده منهم, ولكن حكمة اللّه تعالى اقتضت تسليطه وتسويله لبني آدم. لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ أي: ليقوم سوق الامتحان, ويعلم به الصادق من الكاذب, ويعرف من كان إيمانه صحيحا, يثبت عند الامتحان والاختبار, وإلقاء الشبه الشيطانية, ممن إيمانه غير ثابت, يتزلزل بأدنى شبهة, ويزول بأقل داع يدعوه إلى ضده، فاللّه تعالى جعله امتحانا, يمتحن به عباده, ويظهر الخبيث من الطيب. وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ يحفظ العباد, ويحفظ عليهم أعمالهم, ويحفظ تعالى جزاءها, فيوفيهم إياها, كاملة موفرة.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

وقوله : ( وما كان له عليهم من سلطان ) قال ابن عباس : أي من حجة .وقال الحسن البصري : والله ما ضربهم بعصا ، ولا أكرههم على شيء ، وما كان إلا غرورا وأماني دعاهم إليها فأجابوه .وقوله : ( إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ) أي : إنما سلطناه عليهم ليظهر أمر من هو مؤمن بالآخرة وقيامها والحساب فيها والجزاء ، فيحسن عبادة ربه عز وجل في الدنيا ، ممن هو منها في شك .وقوله : ( وربك على كل شيء حفيظ ) أي : ومع حفظه ضل من ضل من اتباع إبليس ، وبحفظه وكلاءته سلم من سلم من المؤمنين أتباع الرسل .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

ثم بين- سبحانه- أن إغواء الشيطان لأهل سبأ ولأشباههم من بنى آدم، لم يكن عن قسر وإكراه، وإنما كان عن اختيار منهم ليتميز الخبيث من الطيب فقال- تعالى-: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ ...والمراد بالسلطان هنا: التسلط بالقهر والغلبة والإكراه. والمراد بالعلم في قوله- تعالى- إِلَّا لِنَعْلَمَ إظهار هذا العلم للناس ليتميز قوى الإيمان من غيره.أى: وما كان لإبليس عليهم من سلطان قاهر يجعلهم لا يملكون دفعه، وإنما كان له عليهم الوسوسة التي يملكون صرفها ودفعها متى حسنت صلتهم بنا، ونحن ما أبحنا لإبليس الوسوسة لبنى آدم، إلا لنظهر في عالم الواقع حال من يؤمن بالآخرة وما فيها من ثواب وعقاب وحساب، ولنميزه عمن هو منها في شك وريب وإنكار ...قال الشوكانى- رحمه الله-: والاستثناء في قوله إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْها فِي شَكٍّ منقطع أى: لا سلطان له عليهم، ولكن ابتليناهم بوسوسته لنعلم.وقيل: هو متصل مفرغ من أعم العلل. أى: ما كان له عليهم من تسلط بحال من الأحوال، ولا لعلة من العلل، إلا ليتميز من يؤمن ومن لا يؤمن، لأنه- سبحانه- قد علم ذلك علما أزليا. وقال الفراء: إلا لنعلم ذلك عندكم. والأولى حمل العلم هنا على التمييز والإظهار .ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة بقوله: وَرَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ أى: وربك- أيها الرسول الكريم- على كل شيء رقيب وحفيظ، بحيث لا يخرج شيء عن حفظه وهيمنته وعلمه وقدرته.وهكذا نجد القرآن قد ساق لنا قصتين متعاقبتين، إحداهما تدل على أن طاعة الله- تعالى- وشكره، وإخلاص العبادة له، وحسن الصلة به- سبحانه-، كل ذلك يؤدى إلى المزيد من نعمه- تعالى-، كما حدث لداود وسليمان- عليهما السلام-.وأما الثانية فتدل على أن الجحود والبطر والانغماس في المعاصي والشهوات. كل ذلك يؤدى إلى زوال النعم، كما حدث لقبيلة سبأ.وصدق الله إذ يقول: لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى، وَلكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ، وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ .ثم نجد السورة الكريمة بعد ذلك، تلقن النبي صلى الله عليه وسلم الحجج التي تؤيد ما هو عليه من حق وصدق، وتزهق ما عليه أعداؤه من باطل وكذب.. فتقول:

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

قال الله تعالى : ( وما كان له عليهم من سلطان ) أي : ما كان تسليطنا إياه عليهم ( إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك ) أي : إلا لنعلم ، لنرى ونميز المؤمن من الكافر ، وأراد علم الوقوع والظهور ، وقد كان معلوما عنده بالغيب ( وربك على كل شيء حفيظ ) رقيب . )

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممن هو منها في شك وربك على كل شيء حفيظ .قوله تعالى : وما كان له عليهم من سلطان أي لم يقهرهم إبليس على الكفر ، وإنما كان منه الدعاء والتزيين . والسلطان : القوة . وقيل الحجة ، أي لم تكن له حجة يستتبعهم بها ، وإنما اتبعوه بشهوة وتقليد وهوى نفس ; لا عن حجة ودليل . إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة يريد علم الشهادة الذي يقع به الثواب والعقاب ، فأما الغيب فقد علمه تبارك وتعالى . ومذهب الفراء أن يكون المعنى : إلا لنعلم ذلك عندكم ; كما قال : ( أين شركائي ) ، على قولكم وعندكم ، وليس قوله : ( إلا لنعلم ) جواب وما كان له عليهم من سلطان في ظاهره إنما هو محمول على المعنى ; أي وما جعلنا له سلطانا إلا لنعلم ، فالاستثناء منقطع ، أي لا سلطان له عليهم ولكنا ابتليناهم بوسوسته لنعلم ، ف ( إلا ) بمعنى لكن . وقيل هو متصل ، أي ما كان له عليهم من سلطان ، غير أنا سلطناه عليهم ليتم الابتلاء . وقيل : كان زائدة ; أي وما له عليهم من سلطان ، كقوله : كنتم خير أمة أي أنتم خير أمة . وقيل : لما اتصل طرف منه بقصة سبأ قال : وما كان لإبليس على أولئك الكفار من سلطان . وقيل : وما كان له في قضائنا السابق سلطان عليهم . وقيل : ( إلا لنعلم ) إلا لنظهر ، وهو كما تقول : النار تحرق الحطب ، فيقول آخر : لا بل الحطب يحرق النار ; فيقول الأول : تعال حتى نجرب النار والحطب لنعلم أيهما يحرق صاحبه ، أي لنظهر ذلك وإن كان معلوما لهم ذلك . وقيل : إلا لتعلموا أنتم . وقيل : أي ليعلم أولياؤنا والملائكة ; كقوله : إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله أي يحاربون أولياء الله ورسوله . وقيل : أي ليميز ; كقوله : ليميز الله الخبيث من الطيب وقد مضى هذا المعنى في ( البقرة ) وغيرها . وقرأ الزهري ( إلا ليعلم ) على ما لم يسم فاعله وربك على كل شيء حفيظ أي أنه عالم بكل شيء . وقيل : يحفظ كل شيء على العبد حتى يجازيه عليه .
ex