سورة ص : الآية 23

تفسير الآية 23 سورة ص

إِنَّ هَٰذَآ أَخِى لَهُۥ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِىَ نَعْجَةٌ وَٰحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِى فِى ٱلْخِطَابِ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

قال أحدهما: إن هذا أخي له تسع وتسعون من النعاج، وليس عندي إلا نعجة واحدة، فطمع فيها، وقال: أعطنيها، وغلبني بحجته.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«إن هذا أخي» أي على ديني «له تسع وتسعون نعجة» يعبر بها عن المرأة «وليَ نعجة واحدة فقال أكفلنيها» أي اجعلني كافلها «وعزني» غلبني «في الخطاب» أي الدال، وأقره الآخر على ذلك.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

فقال أحدهما: إِنَّ هَذَا أَخِي نص على الأخوة في الدين أو النسب أو الصداقة، لاقتضائها عدم البغي، وأن بغيه الصادر منه أعظم من غيره. لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً أي: زوجة، وذلك خير كثير، يوجب عليه القناعة بما آتاه اللّه. وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فطمع فيها فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا أي: دعها لي، وخلها في كفالتي. وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ أي: غلبني في القول، فلم يزل بي حتى أدركها أو كاد.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

قد ذكر المفسرون هاهنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه ، ولكن روى ابن أبي حاتم هنا حديثا لا يصح سنده ; لأنه من رواية يزيد الرقاشي عن أنس ويزيد - وإن كان من الصالحين - لكنه ضعيف الحديث عند الأئمة . فالأولى أن يقتصر على مجرد تلاوة هذه القصة وأن يرد علمها إلى الله - عز وجل - فإن القرآن حق وما تضمن فهو حق أيضا .وقوله : ( [ إذ دخلوا على داود ] ففزع منهم ) إنما كان ذلك لأنه كان في محرابه ، وهو أشرف مكان في داره وكان قد أمر ألا يدخل عليه أحد ذلك اليوم فلم يشعر إلا بشخصين قد تسورا عليه المحراب أي : احتاطا به يسألانه عن شأنهما .وقوله : ( وعزني في الخطاب ) أي : غلبني يقال : عز يعز : إذا قهر وغلب .وقوله : ( وظن داود أنما فتناه ) قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : أي اختبرناه .وقوله : ( وخر راكعا ) أي : ساجدا ) وأناب ) ويحتمل أنه ركع أولا ثم سجد بعد ذلك وقد ذكر أنه استمر ساجدا أربعين صباحا ، ( فغفرنا له ذلك ) أي : ما كان منه مما يقال فيه : إن حسنات الأبرار سيئات المقربين .وقد اختلف الأئمة رضي الله عنهم في سجدة " ص " هل هي من عزائم السجود ؟ على قولين الجديد من مذهب الشافعي رحمه الله أنها ليست من عزائم السجود بل هي سجدة شكر . والدليل على ذلك ما رواه الإمام أحمد حيث قال :حدثنا إسماعيل - وهو ابن علية - عن أيوب عن ابن عباس أنه قال في السجود في " ص " : ليست من عزائم السجود وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يسجد فيها .ورواه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي في تفسيره من حديث أيوب به وقال الترمذي : حسن صحيح .وقال النسائي أيضا عند تفسير هذه الآية : أخبرني إبراهيم بن الحسن - هو المقسمي - حدثنا حجاج بن محمد عن عمرو بن ذر عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ، رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سجد في " ص " وقال : " سجدها داود - عليه السلام - توبة ونسجدها شكرا " .تفرد بروايته النسائي ورجال إسناده كلهم ثقات وقد أخبرني شيخنا الحافظ أبو الحجاج المزي قراءة عليه وأنا أسمع :أخبرنا أبو إسحاق المدرجي أخبرنا زاهر بن أبي طاهر الثقفي أخبرنا زاهر بن طاهر الشحامي ، أخبرنا أبو سعيد الكنجروذي أخبرنا الحاكم أبو أحمد محمد بن محمد الحافظ أخبرنا أبو العباس السراج حدثنا هارون بن عبد الله حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس عن الحسن بن محمد بن عبيد الله بن أبي يزيد قال : قال لي ابن جريج : يا حسن حدثني جدك عبيد الله بن أبي يزيد عن ابن عباس قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله إني رأيت فيما يرى النائم كأني أصلي خلف شجرة فقرأت السجدة فسجدت فسجدت الشجرة لسجودي فسمعتها تقول وهي ساجدة : اللهم اكتب لي بها عندك أجرا واجعلها لي عندك ذخرا وضع عني بها وزرا واقبلها مني كما قبلتها من عبدك داود .قال ابن عباس : فرأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - قام فقرأ السجدة ثم سجد فسمعته يقول وهو ساجد كما حكى الرجل من كلام الشجرةرواه الترمذي عن قتيبة وابن ماجه عن أبي بكر بن خلاد كلاهما عن محمد بن يزيد بن خنيس نحوه وقال الترمذي : غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجهوقال البخاري عند تفسيرها أيضا : حدثنا محمد بن عبد الله حدثنا محمد بن عبيد الطنافسي عن العوام قال : سألت مجاهدا عن سجدة " ص " فقال : سألت ابن عباس : من أين سجدت ؟ فقال : أوما تقرأ : ( ومن ذريته داود وسليمان ) [ الأنعام : 84 ] ( أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [ الأنعام : 90 ] فكان داود - عليه السلام - ممن أمر نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أن يقتدي به فسجدها داود - عليه السلام - فسجدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -وقال الإمام أحمد : حدثنا عفان حدثنا يزيد بن زريع حدثنا حميد حدثنا بكر - هو ابن عبد الله المزني - أنه أخبره أن أبا سعيد الخدري رأى رؤيا أنه يكتب " ص " فلما بلغ إلى التي يسجد بها رأى الدواة والقلم وكل شيء بحضرته انقلب ساجدا قال : فقصها على النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يزل يسجد بها بعد . تفرد به [ الإمام ] أحمدوقال أبو داود : حدثنا أحمد بن صالح حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن عياض بن عبد الله بن سعد بن أبي سرح عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو على المنبر " ص " فلما بلغ السجدة نزل فسجد وسجد الناس معه ، فلما كان يوم آخر قرأها فلما بلغ السجدة تشزن الناس للسجود ، فقال : " إنما هي توبة نبي ولكني رأيتكم تشزنتم " . فنزل وسجد وسجدوا . تفرد به أبو داود وإسناده على شرط الصحيح .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

ثم أخذا في شرح قضيتهما فقال أحدهما: «إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة، فقال أكفلنيها وعزنى في الخطاب» .والمراد بالأخوة هنا: الأخوة في الدين أو في النسب، أو فيهما وفي غيرهما كالصحبة والشركة.والنعجة: الأنثى من الضأن. وتطلق على أنثى البقر.وقوله: أَكْفِلْنِيها أى: ملكني إياها، وتنازل لي عنها، بحيث تكون تحت كفالتى وملكيتى كبقية النعاج التي عندي، ليتم عددها مائة.وقوله: وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ أى: غلبني في المحاجة والمخاطبة لأنه أفصح وأقوى منى.. يقال: فلان عز فلانا في الخطاب، إذا غلبه. ومنه قولهم في المثل: من عزّ بزّ. أى:من غلب غيره سلبه حقه. أى: قال أحدهما لداود- عليه السلام-: إن هذا الذي يجلس معى للتحاكم أمامك أخى. وهذا الأخ له تسع وتسعون نعجة، أما أنا فليس لي سوى نعجة واحدة، فطمع في نعجتى وقال لي: «أكفلنيها» أى: ملكنيها وتنازل عنها «وعزنى في الخطاب» .أى: وغلبني في مخاطبته لي، لأنه أقوى وأفصح منى.

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

فقال أحدهما : ( إن هذا أخي ) أي : على ديني وطريقتي ، ( له تسع وتسعون نعجة ) يعني امرأة ( ولي نعجة واحدة ) أي امرأة واحدة ، والعرب تكني بالنعجة عن المرأة . قال الحسين بن الفضل : هذا تعريض للتنبيه والتفهيم ؛ لأنه لم يكن هناك نعاج ولا بغي فهو كقولهم : ضرب زيد عمرا ، أو اشترى بكر دارا ، ولا ضرب هنالك ولا شراء .( فقال أكفلنيها ) قال ابن عباس : أعطنيها . قال مجاهد : انزل لي عنها . وحقيقته : ضمها إلي فاجعلني كافلها ، وهو الذي يعولها وينفق عليها ، والمعنى : طلقها لأتزوجها .) ( وعزني ) وغلبني ( في الخطاب ) أي : في القول . وقيل : قهرني لقوة ملكه . قال الضحاك : يقول إن تكلم كان أفصح مني ، وإن حارب كان أبطش مني .وحقيقة المعنى : أن الغلبة كانت له لضعفي في يده ، وإن كان الحق معي وهذا كله تمثيل لأمر داود مع أوريا زوج المرأة التي تزوجها داود حيث كان لداود تسع وتسعون امرأة ولأوريا امرأة واحدة فضمها إلى نسائه .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : إن هذا أخي له تسع وتسعون نعجة أي قال الملك الذي تكلم عن أوريا إن هذا أخي أي : على ديني ، وأشار إلى المدعى عليه . وقيل : أخي أي : صاحبي . له تسع وتسعون نعجة وقرأ الحسن : " تسع وتسعون نعجة " بفتح التاء فيهما ، وهي لغة شاذة ، وهي الصحيحة من قراءة الحسن ، قال النحاس . والعرب تكني عن المرأة بالنعجة والشاة ، لما هي عليه من السكون والمعجزة وضعف الجانب . وقد يكنى عنها بالبقرة والحجرة والناقة ; لأن الكل مركوب . قال ابن عون :أنا أبوهن ثلاث هنه رابعة في البيت صغراهنهونعجتي خمسا توفيهنه ألا فتى سمح يغذيهنهطي النقا في الجوع يطويهنه ويل الرغيف ويله منهنهوقال عنترة :يا شاة ما قنص لمن حلت له حرمت علي وليتها لم تحرمفبعثت جاريتي فقلت لها اذهبي فتجسسي أخبارها لي واعلميقالت رأيت من الأعادي غرة والشاة ممكنة لمن هو مرتمفكأنما التفتت بجيد جداية رشأ من الغزلان حر أرثموقال آخر :فرميت غفلة عينه عن شاته فأصبت حبة قلبها وطحالهاوهذا من أحسن التعريض حيث كنى بالنعاج عن النساء . قال الحسين بن الفضل : هذا من الملكين تعريض وتنبيه ، كقولهم : ضرب زيد عمرا ، وما كان ضرب ولا نعاج على التحقيق ، كأنه قال : نحن خصمان هذه حالنا . قال أبو جعفر النحاس : وأحسن ما قيل في هذا أن المعنى : يقول : خصمان بغى بعضنا على بعض على جهة المسألة ، كما تقول : رجل يقول لامرأته كذا ، ما يجب عليه ؟ .قلت : وقد تأول المزني صاحب الشافعي هذه الآية ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن شهاب الذي خرجه الموطأ وغيره : هو لك يا عبد بن زمعة على نحو هذا ، قال المزني : يحتمل هذا الحديث عندي - والله أعلم - أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أجاب عن المسألة فأعلمهم بالحكم أن هذا يكون إذا ادعى صاحب فراش وصاحب زنى ، لا أنه قبل على عتبة قول أخيه سعد ، ولا على زمعة قول ابنه : إنه ولد زنى ، لأن كل واحد منهما أخبر عن غيره . وقد أجمع المسلمون أنه لا يقبل إقرار أحد على غيره . وقد ذكر الله سبحانه في كتابه مثل ذلك في قصة داود والملائكة ، إذ دخلوا عليه ففزع منهم ، قالوا : لا تخف خصمان ولم يكونوا خصمين ، ولا كان لواحد منهم تسع وتسعون نعجة ، ولكنهم كلموه على المسألة ليعرف بها ما أرادوا تعريفه . فيحتمل أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - حكم في هذه القصة على المسألة ، وإن لم يكن أحد يؤنسني على هذا التأويل في الحديث ، فإنه عندي صحيح . والله أعلم .قال النحاس : وفي قراءة ابن مسعود " إن هذا أخي كان له تسع وتسعون نعجة أنثى " و " كان " هنا مثل قوله - عز وجل - : وكان الله غفورا رحيما فأما قوله : " أنثى " فهو تأكيد ، كما يقال : هو رجل ذكر وهو تأكيد . وقيل : لما كان يقال هذه مائة نعجة ، وإن كان فيها من الذكور شيء يسير ، جاز أن يقال : أنثى ليعلم أنه لا ذكر فيها . وفي التفسير : له تسع وتسعون امرأة . قال ابن العربي : إن كان جميعهن أحرارا فذلك شرعه ، وإن كن إماء فذلك شرعنا . والظاهر أن شرع من تقدم قبلنا لم يكن محصورا بعدد ، وإنما الحصر في شريعة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، لضعف الأبدان وقلة الأعمار . وقال القشيري : ويجوز أن يقال : لم يكن له هذا العدد بعينه ، ولكن المقصود ضرب مثل ، كما تقول : لو جئتني مائة مرة لم أقض حاجتك ، أي : مرارا كثيرة . قال ابن العربي : قال بعض المفسرين : لم يكن لداود مائة امرأة ، وإنما ذكر التسعة والتسعين مثلا ، المعنى : هذا غني عن الزوجة وأنا مفتقر إليها . وهذا فاسد من وجهين : أحدهما : أن العدول عن الظاهر بغير دليل ، لا معنى له ، ولا دليل يدل على أن شرع من قبلنا كان مقصورا من النساء على ما في شرعنا . الثاني : أنه روى البخاري وغيره أن سليمان قال : لأطوفن الليلة على مائة امرأة تلد كل أمرأة غلاما يقاتل في سبيل الله ، ونسي أن يقول إن شاء الله وهذا نصقوله تعالى : ولي نعجة واحدة أي امرأة واحدةفقال أكفلنيها أي انزل لي عنها حتى أكفلها . وقال ابن عباس : أعطنيها . وعنه : تحول لي عنها . وقال ابن مسعود . وقال أبو العالية : ضمها إلي حتى أكفلها . وقال ابن كيسان : اجعلها كفلي ونصيبي .وعزني في الخطاب أي غلبني . قال الضحاك : إن تكلم كان أفصح مني ، وإن حارب كان أبطش مني . يقال : عزه يعزه بضم العين في المستقبل عزا غلبه . وفي المثل : من عز بز ، أي : من غلب سلب . والاسم العزة وهي القوة والغلبة . قال الشاعر :قطاة عزها شرك فباتت تجاذبه وقد علق الجناحوقرأ عبد الله بن مسعود وعبيد بن عمير : " وعازني في الخطاب " أي : غالبني ، من المعازة وهي المغالبة ، عازه أي : غالبه . قال ابن العربي : واختلف في سبب الغلبة ، فقيل : معناه غلبني ببيانه . وقيل : غلبني بسلطانه ; لأنه لما سأله لم يستطع خلافه . كان ببلادنا أمير يقال له : سير بن أبي بكر فكلمته في أن يسأل لي رجلا حاجة ، فقال لي : أما علمت أن طلب السلطان للحاجة غصب لها . فقلت : أما إذا كان عدلا فلا . فعجبت من عجمته وحفظه لما تمثل به وفطنته ، كما عجب من جوابي له واستغربه .
ex