سورة ابراهيم : الآية 9

تفسير الآية 9 سورة ابراهيم

أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا۟ ٱلَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ۛ وَٱلَّذِينَ مِنۢ بَعْدِهِمْ ۛ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا ٱللَّهُ ۚ جَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِٱلْبَيِّنَٰتِ فَرَدُّوٓا۟ أَيْدِيَهُمْ فِىٓ أَفْوَٰهِهِمْ وَقَالُوٓا۟ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَآ أُرْسِلْتُم بِهِۦ وَإِنَّا لَفِى شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَآ إِلَيْهِ مُرِيبٍ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

ألم يأتكم -يا أمَّة محمد- خبر الأمم التي سبقتكم، قوم نوح وقوم هود وقوم صالح، والأمم التي بعدهم، لا يحصي عددهم إلا الله، جاءتهم رسلهم بالبراهين الواضحات، فعضُّوا أيديهم غيظًا واستنكافًا عن قَبول الإيمان، وقالوا لرسلهم: إنا لا نصدِّق بما جئتمونا به، وإنا لفي شكٍّ مما تدعوننا إليه من الإيمان والتوحيد موجب للريبة.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«ألم يأتكم» استفهام تقرير «نبأ» خبر «الذين من قبلكم قوم نوح وعاد» قوم هود «وثمود» قوم صالح «والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله» لكثرتهم «جاءتهم رسلهم بالبينات» بالحجج الواضحة على صدقهم «فردوا» أي الأمم «أيديهم في أفواههم» أي إليها ليعضوا عليها من شدة الغيظ «وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به» في زعمكم «وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب» موقع في الريبة.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

يقول تعالى مخوفا عباده ما أحله بالأمم المكذبة حين جاءتهم الرسل، فكذبوهم، فعاقبهم بالعقاب العاجل الذي رآه الناس وسمعوه فقال: ( أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ ) وقد ذكر الله قصصهم في كتابه وبسطها، ( وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لا يَعْلَمُهُمْ إِلا اللَّهُ ) من كثرتهم وكون أخبارهم اندرست.فهؤلاء كلهم ( جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ ) أي: بالأدلة الدالة على صدق ما جاءوا به، فلم يرسل الله رسولا إلا آتاه من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، فحين أتتهم رسلهم بالبينات لم ينقادوا لها بل استكبروا عنها، ( فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ ) أي: لم يؤمنوا بما جاءوا به ولم يتفوهوا بشيء مما يدل على الإيمان كقوله يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ( وَقَالُوا ) صريحا لرسلهم: ( إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ ) أي: موقع في الريبة، وقد كذبوا في ذلك وظلموا.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

قال ابن جرير : هذا من تمام قيل موسى لقومه .يعني : تذكاره إياهم بأيام الله ، بانتقامه من الأمم المكذبة للرسل .وفيما قال ابن جرير نظر; والظاهر أنه خبر مستأنف من الله تعالى لهذه الأمة ، فإنه قد قيل : إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة ، فلو كان هذا من كلام موسى لقومه وقصه عليهم ذلك فلا شك أن تكون هاتان القصتان في " التوراة " ، والله أعلم . وبالجملة فالله تعالى قد قص علينا خبر قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم من الأمم المكذبة للرسل ، مما لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل أتتهم رسلهم بالبينات ، أي : بالحجج والدلائل الواضحات الباهرات القاطعات .وقال ابن إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله أنه قال في قوله : ( لا يعلمهم إلا الله ) كذب النسابون .وقال عروة بن الزبير : ما وجدنا أحدا يعرف ما بعد معد بن عدنان .وقوله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) اختلف المفسرون في معناه ، فقيل : معناه : أنهم أشاروا إلى أفواه الرسل يأمرونهم بالسكوت عنهم ، لما دعوهم إلى الله ، عز وجل .وقيل : بل وضعوا أيديهم على أفواههم تكذيبا لهم .وقيل : بل هو عبارة عن سكوتهم عن جواب الرسل .وقال مجاهد ، ومحمد بن كعب ، وقتادة : معناه أنهم كذبوهم وردوا عليهم قولهم بأفواههم .قال ابن جرير : وتوجيهه أن " في " هاهنا بمعنى " الباء " ، قال : وقد سمع من العرب : " أدخلك الله بالجنة " يعنون : في الجنة ، وقال الشاعر :وأرغب فيها عن لقيط ورهطه عن سنبس لست أرغبيريد : أرغب بها .قلت : ويؤيد قول مجاهد تفسير ذلك بتمام الكلام : ( وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ) فكأن هذا [ والله أعلم ] تفسير لمعنى رد أيديهم في أفواههم .وقال سفيان الثوري ، وإسرائيل ، عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص ، عن عبد الله في قوله : ( فردوا أيديهم في أفواههم ) قال : عضوا عليها غيظا .وقال شعبة ، عن أبي إسحاق ، أبي هبيرة ابن مريم ، عن عبد الله أنه قال ذلك أيضا . وقد اختاره عبد الرحمن بن زيد بن أسلم ، ووجهه ابن جرير مختارا له ، بقوله تعالى عن المنافقين : ( وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) [ آل عمران : 119 ] .وقال العوفي ، عن ابن عباس : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ، ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم .وقالوا : ( إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ) يقولون : لا نصدقكم فيما جئتم به; فإن عندنا فيه شكا قويا .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

وقوله- سبحانه-: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعادٍ وَثَمُودَ....يرى بعض المفسرين أنه من تتمة كلام موسى- عليه السلام- فيكون المعنى:أن موسى- عليه السلام- بعد أن ذكر قومه بأيام الله- تعالى-، وبنعمه عليهم، وبسننه- سبحانه- في خلقه ...بعد كل ذلك شرع في تذكيرهم وتخويفهم عن طريق ما حل بالمكذبين من قبلهم، فقال لهم- كما حكى القرآن عنه-: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ....ومنهم من يرى أن الآية الكريمة كلام مستأنف، والخطاب فيه لأمة الرسول صلى الله عليه وسلم فيكون المعنى: أن الله- تعالى- بعد أن بين للناس أنه قد أنزل كتابه على رسوله صلى الله عليه وسلم لإخراجهم من الظلمات إلى النور، وبين- سبحانه- أن له ما في السموات وما في الأرض، وهدد الكافرين بالعذاب الشديد، وحكى ما قاله موسى لقومه ...بعد كل ذلك وجه- سبحانه- الخطاب إلى مشركي مكة وإلى كل من كان على شاكلتهم فقال: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَؤُا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ....قال الفخر الرازي ما ملخصه: «يحتمل أن يكون هذا خطابا من موسى لقومه، والمقصود منه أنه- عليه السلام- كان يخوفهم بمثل هلاك من تقدم.ويجوز أن يكون مخاطبة من الله- تعالى- على لسان موسى لقومه، يذكرهم أمر القرون الأولى. والمقصود إنما هو حصول العبرة بأحوال المتقدمين، وهذا المقصود حاصل على التقديرين، إلا أن الأكثرين ذهبوا إلى أنه ابتداء مخاطبة لقوم الرسول صلى الله عليه وسلم .ومع أننا نؤيد الإمام الرازي في أن المقصود إنما حصول العبرة بأحوال المتقدمين إلا أننا نميل مع الأكثرين إلى الرأى الثاني، لأن قوم الرسول صلى الله عليه وسلم هم المقصودون قصدا أوليا بالخطاب القرآنى، ولأن الإمام ابن كثير- رحمه الله- يرى أنه لم يرد ذكر في التوراة لقوم عاد وثمود، فقد قال:قال ابن جرير: «هذا من تمام قول موسى لقومه ... وفيما قال ابن جرير نظر والظاهر أنه خبر مستأنف من الله- تعالى- لهذه الأمة، فإنه قد قيل إن قصة عاد وثمود ليست في التوراة، فلو كان هذا من كلام موسى لقومه وقصه عليهم، فلا شك حينئذ أن تكون هاتان القصتان في التوراة .والاستفهام في قوله أَلَمْ يَأْتِكُمْ ... للتقرير لأنهم قد بلغتهم أخبارهم، فقوم نوح بلغتهم أخبارهم بسبب خبر الطوفان الذي كان مشهورا بينهم، وقوم عاد وثمود بلغتهم أخبارهم لأنهم من العرب، ومساكنهم في بلادهم، وهم يمرون على ديار قوم صالح في أسفارهم إلى بلاد الشام للتجارة. والمراد بالذين من بعدهم: أولئك الأقوام الذين جاءوا من بعد قوم نوح وعاد وثمود، كقوم إبراهيم وقم لوط وغيرهم.وقوله: لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ أى: لا يعلم عدد الأقوام الذين جاءوا بعد قوم نوح وعاد وثمود ولا يعلم ذواتهم وأحوالهم إلا الله تعالى.وقوله وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مبتدأ، وقوله لا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ خبره، والجملة اعتراض بين المفسر- بفتح السين- وهو نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وتفسيره وهو جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ.والمعنى: لقد علمتم يا أهل مكة ما حل بقوم نوح وعاد وثمود، كما علمتم ما حل بالمكذبين من بعدهم كقوم لوط وقوم شعيب، وكغيرهم ممن لا يعلم أحوالهم وعددهم إلا الله- تعالى- وما دام الأمر كذلك فاعتبروا واتعظوا واتبعوا هذا الرسول الكريم الذي جاء لسعادتكم، لكي تنجوا من العذاب الأليم الذي حل بالظالمين من قبلكم.وجملة جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ مستأنفة في جواب سؤال مقدر، كأنه قيل ما قصة هؤلاء الأقوام وما خبرهم؟فكان الجواب: جاء كل رسول إلى قومه بالحجج الواضحات، وبالمعجزات الظاهرات، الدالة على صدقه فيما يبلغه عن ربه.وقوله فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ وَقالُوا إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ....بيان لموقف الأقوام المكذبين من رسلهم الذين أرسلهم الله لهدايتهم.والضمائر في «ردوا» و «أيديهم» و «أفواههم» تعود على الأقوام الذين جاءتهم رسلهم بالبينات. وهذه الجملة الكريمة ذكر المفسرون في معناها وجوها متعددة أوصلها بعضهم إلى عشرة أقوال:منها: أن الكفار وضعوا أناملهم في أفواههم فعضوها غيظا وبغضا مما جاء به الرسل، وقالوا لهم بغضب وضجر: إنا كفرنا بما أرسلتم به وبما جئتمونا به من معجزات، فاغربوا عن وجوهنا، واتركونا وشأننا.ومن المفسرين الذين رجحوا هذا الوجه الإمام ابن جرير، فقد قال: «وقوله: فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ ... اختلف أهل التأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم: معنى ذلك، فعضوا على أصابعهم تغيظا عليهم في دعائهم إياهم إلى ما دعوهم إليه ... روى ذلك عن ابن مسعود وغيره.ثم قال بعد أن ساق عددا من الأقوال الأخرى: وأشبه هذه الأقوال عندي بالصواب في تأويل هذه الآية، القول الذي ذكرناه عن عبد الله بن مسعود أنهم ردوا أيديهم في أفواههم، فعضوا عليها غيظا على الرسل، كما وصف الله عز وجل به إخوانهم من المنافقين فقال:وَإِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ فهذا هو الكلام المعروف، والمعنى المفهوم من رد الأيدى إلى الأفواه .ومنها: أن الكفار وضعوا أيديهم على أفواههم إشارة منهم إلى أنفسهم وإلى ما يصدر عنها، وقالوا للرسل على سبيل التحدي والتكذيب. «إنا كفرنا بما أرسلتم به» أى: لا جواب لكم عندنا سوى ما قلناه لكم بألسنتنا هذه.ومن المفسرين الذين رجحوا هذا القول الإمام الآلوسى، فقد صدر الأقوال التي ذكرها به، فقال ما ملخصه: قوله فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ أى: أشاروا بأيديهم إلى ألسنتهم وما نطقت به، وقالوا لهم إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ أى: على زعمكم، وهي البينات التي أظهروها حجة على صحة رسالتهم، ومرادهم بالكفر بها: الكفر بدلالتها على صحة رسالتهم ...ثم قال بعد أن ساق عددا من الأقوال: والذي يطابق المقام، وتشهد له البلاغة: هو الوجه الأول، ونص غير واحد على أنه الوجه القوى، لأنهم حاولوا الإنكار على الرسل كل الإنكار، حيث جمعوا في الإنكارين: الفعل والقول، ولذا أتى بالفاء تنبيها على أنهم لم يتمهلوا، بل عقدوا دعوتهم بالتكذيب ... » .ومنها: أن الكفار لما سمعوا أقوال الرسل لهم، وضعوا أيديهم على أفواههم استهزاء وتعجبا.وقد رجح هذا الوجه الشيخ محمد الطاهر بن عاشور فقال: «وهذا التركيب لا أعهد مثله في كلام العرب فلعله من مبتكرات القرآن: ومعنى فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْواهِهِمْ.يحتمل عدة وجوه أنهاها في الكشاف إلى سبعة، وفي بعضها بعد، وأولاها بالاستخلاص أن يكون المعنى: أنهم وضعوا أيديهم على أفواههم إخفاء لشدة الضحك من كلام الرسل، كراهية أن تظهر دواخل أفواههم، وذلك تمثيل لحالة الاستهزاء بالرسل .ومنها: أن الكفار لما سمعوا أقوال الرسل لهم، لم يردوا عليهم، بل تركوهم إهمالا لشأنهم.وقد رجح الشوكانى هذا الاتجاه فقال ما ملخصه: «وقال أبو عبيدة- ونعم ما قال- هو ضرب مثل. أى: لم يؤمنوا ولم يجيبوا. والعرب تقول الرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت:قد رد يده في فيه. وهكذا قال الأخفش، واعترض على ذلك القتيبي فقال: لم يسمع أحد من العرب يقول: رد يده في فيه، إذا ترك ما أمر به وإنما المعنى عضوا على الأيدى حنقا وغيظا ...فإن صح ما ذكره أبو عبيدة والأخفش فتفسير الآية به أقرب ... .وهذه الأقوال جميعها وإن كانت تتفق في أن الآية الكريمة، قد أخبرت بأبلغ عبارة عما قابل به الأقوام المكذبون رسلهم من سوء أدب ...إلا أننا نميل إلى ما ذهب إليه الإمام ابن جرير، لأنه أظهر الأقوال في معناها، وقد استشهد له بعضهم بأشعار العرب، ومنها قول الشاعر:ترون في فيه غش الحسو ... د حتى يعض على الأكفايعنى أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه وكفيه .وقوله- سبحانه- وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ معطوف على قوله إِنَّا كَفَرْنا بِما أُرْسِلْتُمْ بِهِ.ومريب: اسم فاعل من أراب. تقول: أربت فلانا فأنا أريبه، إذا فعلت به فعلا يوجب لديه الريبة، فمعنى مريب: موقع في الريبة أى: في القلق والاضطراب.أى: قال المكذبون لرسلهم إنا كفرنا بما جئتم به من المعجزات والبينات.وإنا لفي شك كبير موقع في الريبة مما تدعوننا إليه من الإيمان بوحدانية الله، وبإخلاص العبادة له ...قال الجمل ما ملخصه: «فإن قيل: إنهم أكدوا كفرهم بما أرسل به الرسل.ثم ذكروا بعد ذلك أنهم شاكون مرتابون في صحة قولهم فكيف ذلك؟فالجواب: كأنهم قالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به أيها الرسل فإن لم نكن كذلك، فلا أقل من أن نكون شاكين مرتابين في صحة نبوتكم.أو يقال: المراد بقولهم «إنا كفرنا بما أرسلتم به» أى بالمعجزات والبينات، وبقولهم:وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَنا إِلَيْهِ مُرِيبٍ وهو الإيمان والتوحيد.أو يقال: إنهم كانوا فرقتين إحداهما جزمت بالكفر، والأخرى شكت ... .

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( ألم يأتكم نبأ الذين ) خبر الذين ( من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله ) يعني : من كان بعد قوم نوح ، وعاد ، وثمود .وروي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قرأ هذه الآية ثم قال : كذب النسابون .وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : بين إبراهيم وبين عدنان ثلاثون قرنا لا يعلمهم إلا الله تعالى .وكان مالك بن أنس يكره أن ينسب الإنسان نفسه أبا إلى آدم ، وكذلك في حق النبي صلى الله عليه وسلم لأنه لا يعلم أولئك الآباء أحد إلا الله عز وجل .( جاءتهم رسلهم بالبينات ) بالدلالات الواضحات ( فردوا أيديهم في أفواههم ) قال ابن مسعود : عضوا على أيديهم غيظا كما قال ( عضوا عليكم الأنامل من الغيظ ) ( آل عمران - 119 ) .قال ابن عباس : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم .قال مجاهد ، وقتادة : كذبوا الرسل وردوا ما جاءوا به ، يقال : رددت قول فلان في فيه أي كذبته .وقال الكلبي : يعني أن الأمم ردوا أيديهم في أفواه أنفسهم ، أي : وضعوا الأيدي على الأفواه إشارة إلى الرسل أن اسكتوا .وقال مقاتل : فردوا أيديهم على أفواه الرسل يسكتونهم بذلك .وقيل : الأيدي بمعنى النعم . معناه : ردوا ما لو قبلوا كانت أيادي ونعما في أفواههم ، أي : بأفواههم ، يعني بألسنتهم .( وقالوا ) يعني الأمم للرسل ( إنا كفرنا بما أرسلتم به وإنا لفي شك مما تدعوننا إليه مريب ) موجب للريبة موقع للتهمة .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود النبأ الخبر ، والجمع الأنباء ; قال :ألم يأتيك والأنباء تنميثم قيل : هو من قول موسى . وقيل : من قول الله ; أي واذكر يا محمد إذ قال ربك كذا . وقيل : هو ابتداء خطاب من الله تعالى . وخبر قوم نوح وعاد وثمود مشهور قصه الله في كتابه .وقوله : والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله أي لا يحصي عددهم إلا الله ، ولا يعرف نسبهم إلا الله ، والنسابون وإن نسبوا إلى آدم فلا يدعون إحصاء جميع الأمم ، وإنما ينسبون البعض ; ويمسكون عن نسب البعض ; وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما سمع النسابين ينسبون إلى معد بن عدنان ثم زادوا فقال : كذب النسابون إن الله يقول : لا يعلمهم إلا الله . وقد روي عن عروة بن الزبير أنه قال : ما وجدنا أحدا يعرف ما بين عدنان وإسماعيل . وقال ابن عباس : بين عدنان وإسماعيل ثلاثون أبا لا يعرفون . وكان ابن مسعود يقول حين يقرأ : لا يعلمهم إلا الله . كذب النسابون .جاءتهم رسلهم بالبينات أي بالحجج والدلالات .فردوا أيديهم في أفواههم أي جعل أولئك القوم أيدي أنفسهم في أفواههم ليعضوها غيظا مما جاء به الرسل ; إذ كان فيه تسفيه أحلامهم ، وشتم أصنامهم ; قاله ابن مسعود ، ومثله قاله عبد الرحمن بن زيد ; وقرأ : عضوا عليكم الأنامل من الغيظ . وقال ابن عباس : لما سمعوا كتاب الله عجبوا ورجعوا بأيديهم إلى أفواههم . وقال أبو صالح : كانوا إذا قال لهم نبيهم أنا رسول الله إليكم أشاروا بأصابعهم إلى أفواههم : أن اسكت ، تكذيبا له ، وردا لقوله ; وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة المعنى . والضميران للكفار ; والقول الأول أصحها إسنادا ; قال أبو عبيد : حدثنا عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله تعالى : فردوا أيديهم في أفواههم قال : عضوا عليها غيظا ; وقال الشاعر :لو أن سلمى أبصرت تخددي ودقة في عظم ساقي ويديوبعد أهلي وجفاء عودي عضت من الوجد بأطراف اليدوقد مضى هذا المعنى في " آل عمران " مجودا ، والحمد لله . وقال مجاهد وقتادة : ردوا على الرسل قولهم وكذبوهم بأفواههم ; فالضمير الأول للرسل ، والثاني للكفار . وقال الحسن وغيره : جعلوا أيديهم في أفواه الرسل ردا لقولهم ; فالضمير الأول على هذا للكفار ، والثاني للرسل . وقيل معناه : أومئوا للرسل أن يسكتوا . وقال مقاتل : أخذوا أيدي الرسل ووضعوها على أفواه الرسل ليسكتوهم ويقطعوا كلامهم . وقيل : رد الرسل أيدي القوم في أفواههم . وقيل : إن الأيدي هنا النعم ; أي ردوا نعم الرسل بأفواههم ، أي بالنطق والتكذيب ، ومجيء الرسل بالشرائع نعم ; والمعنى : كذبوا بأفواههم ما جاءت به الرسل . و " في " بمعنى الباء ; يقال : جلست في البيت وبالبيت ; وحروف الصفات يقام بعضها مقام بعض . وقال أبو عبيدة : هو ضرب مثل ; أي لم يؤمنوا ولم يجيبوا ; والعرب تقول للرجل إذا أمسك عن الجواب وسكت : قد رد يده في فيه . وقاله الأخفش أيضا . وقال القتبي : لم نسمع أحدا من العرب يقول : رد يده في فيه إذا ترك ما أمر به ; وإنما المعنى : عضوا على الأيدي حنقا وغيظا ; لقول الشاعر :تردون في فيه غش الحسو د حتى يعض علي الأكفايعني أنهم يغيظون الحسود حتى يعض على أصابعه وكفيه . وقال آخر :قد أفنى أنامله أزمة فأضحى يعض علي الوظيفاوقالوا : - يعني الأمم للرسل :وقالوا إنا كفرنا بما أرسلتم به أي بالإرسال على زعمكم ، لا أنهم أقروا أنهم أرسلوا .وإنا لفي شك أي في ريب ومرية .مما تدعوننا إليه من التوحيد ." مريب " أي موجب للريبة ; يقال : أربته إذ فعلت أمرا أوجب ريبة وشكا ; أي نظن أنكم تطلبون الملك والدنيا .
ex