سورة هود : الآية 40

تفسير الآية 40 سورة هود

حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَ أَمْرُنَا وَفَارَ ٱلتَّنُّورُ قُلْنَا ٱحْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ ٱثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ ٱلْقَوْلُ وَمَنْ ءَامَنَ ۚ وَمَآ ءَامَنَ مَعَهُۥٓ إِلَّا قَلِيلٌ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

حتى إذا جاء أمرنا بإهلاكهم كما وَعدْنا نوحًا بذلك، ونبع الماء بقوة من التنور -وهو المكان الذي يخبز فيه- علامة على مجيء العذاب، قلنا لنوح: احمل في السفينة من كل نوع من أنواع الحيوانات ذكرًا وأنثى، واحمل فيها أهل بيتك، إلا مَن سبق عليهم القول ممن لم يؤمن بالله كابنه وامرأته، واحمل فيها من آمن معك من قومك، وما آمن معه إلا قليل مع طول المدة والمقام فيهم.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«حتى» غاية للصنع «إذا جاء أمرنا» بإهلاكهم «وفار التنور» للخباز بالماء وكان ذلك علامة لنوح «قلنا احمل فيها» في السفينة «من كلِ زوجين» ذكرا وأنثى، أي من كل أنواعهما «اثنين» ذكرا وأنثى وهو مفعول وفي القصة أن الله حشر لنوح السباع والطير وغيرها، فجعل يضرب بيديه في كل نوع فتقع يده اليمنى على الذكر واليسرى على الأنثى فيحملهما في السفينة «وأهلك» أي زوجته وأولاده «إلا من سبق عليه القول» أي منهم بالإهلاك وهو زوجته وولده كنعان بخلاف سام وحام ويافث فحملهم وزوجاتهم الثلاثة «ومن آمن وما آمن معه إلا قليل» قيل كانوا ستة رجال ونساءهم وقيل: جميع من كان في السفينة ثمانون نصفهم رجال ونصفهم نساء.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

حَتَّى إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا أي قدرنا بوقت نزول العذاب بهم وَفَارَ التَّنُّورُ أي: أنزل الله السماء بالماء بالمنهمر، وفجر الأرض كلها عيونا حتى التنانير التي هي محل النار في العادة، وأبعد ما يكون عن الماء، تفجرت فالتقى الماء على أمر، قد قدر. قُلْنَا لنوح: احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أي: من كل صنف من أصناف المخلوقات، ذكر وأنثى، لتبقى مادة سائر الأجناس وأما بقية الأصناف الزائدة عن الزوجين، فلأن السفينة لا تطيق حملها وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ممن كان كافرا، كابنه الذي غرق. وَمَنْ آمَنَ و الحال أنه مَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

هذه مواعدة من الله تعالى لنوح ، عليه السلام ، إذا جاء أمر الله من الأمطار المتتابعة ، والهتان الذي لا يقلع ولا يفتر ، بل هو كما قال تعالى : ( ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ) [ القمر : 11 - 14 ] .وأما قوله : ( وفار التنور ) فعن ابن عباس : التنور : وجه الأرض ، أي : صارت الأرض عيونا تفور ، حتى فار الماء من التنانير التي هي مكان النار ، صارت تفور ماء ، وهذا قول جمهور السلف وعلماء الخلف .وعن علي بن أبي طالب ، رضي الله عنه : التنور : فلق الصبح ، وتنوير الفجر ، وهو ضياؤه وإشراقه .والأول أظهر .وقال مجاهد والشعبي : كان هذا التنور بالكوفة ، وعن ابن عباس : عين بالهند . وعن قتادة : عين بالجزيرة ، يقال لها : عين الوردة .وهذه أقوال غريبة .فحينئذ أمر الله نوحا - عليه السلام - أن يحمل معه في السفينة من كل زوجين من صنوف المخلوقات ذوات الأرواح - قيل : وغيرها من النباتات - اثنين . ذكرا وأنثى ، فقيل : كان أول من أدخل من الطيور الدرة ، وآخر من أدخل من الحيوانات الحمار ، فدخل إبليس متعلقا بذنبه ، فدخل بيده ، وجعل يريد أن ينهض فيثقله إبليس وهو متعلق بذنبه ، فجعل يقول له نوح : مالك ؟ ويحك . ادخل . فينهض ولا يقدر ، فقال : ادخل وإن كان إبليس معك فدخلا في السفينة .وذكر أبو عبيدة بن عبد الله بن مسعود أنهم لم يستطيعوا أن يحملوا معهم الأسد ، حتى ألقيت عليه الحمى .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن صالح كاتب الليث ، حدثني الليث ، حدثني هشام بن سعد ، عن زيد بن أسلم . عن أبيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لما حمل نوح في السفينة من كل زوجين اثنين ، قال أصحابه : وكيف يطمئن - أو تطمئن - المواشي ومعها الأسد ؟ فسلط الله عليه الحمى ، فكانت أول حمى نزلت الأرض ، ثم شكوا الفأرة فقالوا : الفويسقة تفسد علينا طعامنا ومتاعنا . فأوحى الله إلى الأسد ، فعطس ، فخرجت الهرة منه ، فتخبأت الفأرة منها .وقوله : ( وأهلك إلا من سبق عليه القول ) أي : " واحمل فيها أهلك ، وهم أهل بيته وقرابته " إلا من سبق عليه القول منهم ، ممن لم يؤمن بالله ، فكان منهم ابنه " يام " الذي انعزل وحده ، وامرأة نوح وكانت كافرة بالله ورسوله .وقوله : ( ومن آمن ) أي : من قومك ، ( وما آمن معه إلا قليل ) أي : نزر يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاما ، فعن ابن عباس : كانوا ثمانين نفسا منهم نساؤهم . وعن كعب الأحبار : كانوا اثنين وسبعين نفسا . وقيل : كانوا عشرة . وقيل : إنما كانوا نوح وبنوه الثلاثة سام ، وحام ، ويافث ، وكنائنه الأربع نساء هؤلاء الثلاثة وامرأة يام . وقيل : بل امرأة نوح كانت معهم في السفينة ، وهذا فيه نظر ، بل الظاهر أنها هلكت; لأنها كانت على دين قومها ، فأصابها ما أصابهم ، كما أصاب امرأة لوط ما أصاب قومها ، والله أعلم وأحكم .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

فقوله- سبحانه- حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَفارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ... بيان لمرحلة جديدة من مراحل قصة نوح- عليه السلام- مع قومه.وحَتَّى هنا حرف غاية لقوله- تعالى- قبل ذلك وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ.. إلخ.والمراد بالأمر في قوله- سبحانه- حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا ... حلول وقت نزول العذاب بهم، فهو مفرد الأمور، أى: حتى إذا حل بهم وقت عذابنا.. قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين.ويصح أن يكون المراد به الأمر بالشيء على أنه مفرد الأوامر، فيكون المعنى: حتى إذا جاء أمرنا لنوح بركوب السفينة، وللأرض بتفجير عيونها، وللسماء بإنزال أمطارها ... قلنا احمل فيها ...وجملة، وفار التنور، معطوفة على جاءَ أَمْرُنا، وكلمة فارَ من الفور والفوران، وهو شدة الغليان للماء وغيره.قال صاحب المنار ما ملخصه: «والفور والفوران ضرب من الحركة والارتفاع القوى، يقال في الماء إذا غلا وارتفع ... ويقال في النار إذا هاجت قال- تعالى- إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ ...ومن المجاز: فار الغضب، إذا اشتد ... » .وللمفسرين في المراد بلفظ التَّنُّورُ أقوال منها: أن المراد به الشيء الذي يخبز فيه الخبز، وهو ما يسمى بالموقد أو الكانون ...ومنها أن المراد به وجه الأرض ...ومنها: أن المراد به موضع اجتماع الماء في السفينة ...ومنها: أن المراد به طلوع الفجر من قولهم: تنور الفجر ...ومنها: أن المراد به أعالى الأرض والمواضع المرتفعة فيها..وقيل: إن الكلام على سبيل المجاز، والمراد بقوله- سبحانه- فارَ التَّنُّورُ التمثيل بحضور العذاب، كقولهم، حمى الوطيس، إذا اشتد القتال .وأرجح هذه الأقوال أولها، لأن التنور في اللغة يطلق على الشيء الذي يخبز فيه، وفورانه معناه: نبع الماء منه بشدة مع الارتفاع والغليان، كما يفور الماء في القدر عند الغليان، ولعل ذلك كان علامة لنوح- عليه السلام- على اقتراب وقت الطوفان.وقد رجح هذا القول المحققون من المفسرين، فقد قال الإمام ابن جرير بعد أن ذكر جملة من الأقوال في معنى التنور: «وأولى الأقوال عندنا بتأويل قوله التَّنُّورُ قول من قال:هو التنور الذي يخبز فيه، لأن هذا هو المعروف من كلام العرب، وكلام الله لا يوجه إلا إلى الأغلب الأشهر من معانيه عند العرب، إلا أن تقوم حجة على شيء منه بخلاف ذلك، فيسلم لها.وذلك لأنه جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به لإفهامهم معنى ما خاطبهم به.أى: قلنا لنوح حين جاء عذابنا قومه ... وفار التنور الذي جعلنا فورانه بالماء آية مجيء عذابنا.. احمل فيها- أى السفينة من كل زوجين اثنين..» .وقال الإمام الرازي ما ملخصه: فإن قيل: فما الأصح من هذه الأقوال- في معنى التنور..؟.قلنا: الأصل حمل الكلام على حقيقته، ولفظ التنور حقيقة في الموضع الذي يخبز فيه، فوجب حمل اللفظ عليه ...ثم قال: والذي روى من أن فور التنور كان علامة لهلاك القوم لا يمتنع لأن هذه واقعة عظيمة، وقد وعد الله- تعالى- المؤمنين النجاة فلا بد أن يجعل لهم علامة بها يعرفون الوقت المعين «فلا يبعد جعل هذه الحالة علامة لحدوث هذه الواقعة» .وجملة قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ جواب إذا ولفظ زَوْجَيْنِ تثنية زوج، والمراد به هنا الذكر والأنثى من كل نوع.قراءة الجمهور: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ بدون تنوين للفظ كل، وإضافته إلى زوجين.وقرأ حفص: مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ بتنوين لفظ كل وهو تنوين عوض عن مضاف إليه، والتقدير: احمل فيها من كل نوع من أنواع المخلوقات التي أنت في حاجة إليها ذكرا وأنثى.ويكون لفظ زَوْجَيْنِ مفعولا لقوله احْمِلْ واثنين صفة له.والمراد بأهله: أهل بيته كزوجته وأولاده، وأكثر ما يطلق لفظ الأهل على الزوجة، كما في قوله- فَلَمَّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَسارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً، قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً ... .والمراد بأهله: من كان مؤمنا منهم.وجملة إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ استثناء من الأهل.أى: احمل فيها أهلك إلا من سبق عليه قضاؤنا بكفره منهم فلا تحمله.والمراد بمن سبق عليه القول: زوجته التي جاء ذكرها في سورة التحريم في قوله- تعالى ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كانَتا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبادِنا صالِحَيْنِ فَخانَتاهُما.. وابنه الذي أبى أن يركب معه السفينة.قال الآلوسى عند تفسيره لهذه الجملة: والمراد زوجة له أخرى تسمى (واعلة) بالعين المهملة، وفي رواية (والقه) وابنه منها واسمه (كنعان) .. وكانا كافرين» .وجملة وَمَنْ آمَنَ معطوفة على قوله وَأَهْلَكَ أى: واحمل معك من آمن بك من قومك.والمعنى للآية الكريمة: لقد امتثل نوح أمر ربه له بصنع السفينة، حتى إذا ما تم صنعها، وحان وقت نزول العذاب بالكافرين من قومه، وتحققت العلامات الدالة على ذلك، قال الله- تعالى- لنوح: احمل فيها من كل نوع من أنواع المخلوقات التي أنت في حاجة إليها ذكرا وأنثى، واحمل فيها أيضا من آمن بك من أهل بيتك دون من لم يؤمن، واحمل فيها كذلك جميع المؤمنين الذين اتبعوا دعوتك من غير أهل بيتك.وقد ختم- سبحانه- الآية الكريمة بما يدل على قلة عدد من آمن به فقال: وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ.أى: وما آمن معه إلا عدد قليل من قومه بعد أن لبث فيهم قرونا متطاولة يدعوهم إلى الدين الحق ليلا ونهارا، وسرا وعلانية.قال الآلوسى بعد أن ساق أقوالا في عدد من آمن بنوح- عليه السلام- من قومه: ...والرواية الصحيحة أنهم كانوا تسعة وسبعين: زوجته، وبنوه الثلاثة ونساؤهم، واثنان وسبعون رجلا وامرأة من غيرهم ... » .

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( حتى إذا جاء أمرنا ) عذابنا ، ( وفار التنور ) اختلفوا في التنور قال عكرمة والزهري : هو وجه الأرض ، وذلك أنه قيل لنوح : إذا رأيت الماء فار على وجه الأرض فاركب السفينة .وروي عن علي رضي الله عنه أنه قال : فار التنور أي : طلع الفجر ونور الصبح .وقال الحسن ومجاهد والشعبي : إنه التنور الذي يخبز فيه ، وهو قول أكثر المفسرين .ورواية عطية عن ابن عباس قال الحسن : كان تنورا من حجارة ، كانت حواء تخبز فيه فصار إلى نوح عليه السلام ، فقيل لنوح : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك .واختلفوا في موضعه ، قال مجاهد والشعبي : كان في ناحية الكوفة ، وكان الشعبي يحلف : ما فار التنور إلا من ناحية الكوفة . وقال : اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة . وكان التنور على يمين الداخل مما يلي باب كندة ، وكان فوران الماء منه علما لنوح عليه السلام .وقال مقاتل : كان ذلك تنور آدم ، وكان بالشام بموضع يقال له : عين وردة .وروي عن ابن عباس : أنه كان بالهند .والفوران : الغليان .قوله تعالى : ( قلنا احمل فيها ) أي في السفينة ، ( من كل زوجين اثنين ) الزوجان : كل اثنين لا يستغني أحدهما عن الآخر ، يقال لكل واحد منهما زوج ، يقال : زوج خف وزوج نعل ، والمراد بالزوجين هاهنا : الذكر والأنثى .قرأ حفص هاهنا وفي سورة المؤمنين " " من كل " بالتنوين أي : من كل صنف زوجين اثنين ، ذكره تأكيدا .وفي القصة : أن نوحا عليه الصلاة والسلام قال : يا رب كيف أحمل من كل زوجين اثنين؟ فحشر الله إليه السباع والطير ، فجعل يضرب بيده في كل جنس فيقع الذكر في يده اليمنى والأنثى في يده اليسرى ، فيحملها في السفينة .( وأهلك ) أي : واحمل أهلك ، أي : ولدك وعيالك ، ( إلا من سبق عليه القول ) بالهلاك ، يعني : امرأته واعلة وابنه كنعان ، ( ومن آمن ) يعني : واحمل من آمن بك ، كما قال الله تعالى : ( وما آمن معه إلا قليل ) واختلفوا في عددهم : قال قتادة وابن جريج ومحمد بن كعب القرظي : لم يكن في السفينة إلا ثمانية نفر : نوح ، وامرأته ، وثلاثة بنين له سام وحام ويافث ، ونساؤهم .وقال الأعمش : كانوا سبعة . نوح وثلاثة بنين له ، وثلاث كنائن له .وقال ابن إسحاق : كانوا عشرة سوى نسائهم . نوح وبنوه سام وحام ويافث وستة أناس ممن كان آمن به وأزواجهم جميعا .وقال مقاتل : كانوا اثنين وسبعين نفرا رجلا وامرأة وبنيه الثلاثة ونساءهم ، فجميعهم ثمانية وسبعون ، نصفهم رجال ونصفهم نساء .وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : كان في سفينة نوح ثمانون رجلا أحدهم جرهم .قال مقاتل : حمل نوح معه جسد آدم فجعله معترضا بين الرجال والنساء وقصد نوحا جميع الدواب والطيور ليحملها .قال ابن عباس رضي الله عنهما : أول ما حمل نوح الدرة وآخر ما حمل الحمار ، فلما دخل الحمار ودخل صدره تعلق إبليس بذنبه ، فلم يستقل رجلاه ، فجعلنوح يقول : ويحك ادخل : فنهض فلم يستطع ، حتى قال نوح : ويحك ادخل وإن الشيطان معك كلمة زلت على لسانه ، فلما قالها نوح خلى الشيطان سبيله فدخل ودخل الشيطان ، فقال له نوح : ما أدخلك علي يا عدو الله؟ قال : ألم تقل ادخل وإن كان الشيطان معك ، قال : اخرج عني يا عدو الله ، قال : مالك بد من أن تحملني معك ، فكان فيما يزعمون في ظهر الفلك .وروي عن بعضهم : أن الحية والعقرب أتيا نوحا فقالتا : احملنا ، فقال : إنكما سبب الضر والبلاء ، فلا أحملكما ، فقالتا له : احملنا ونحن نضمن لك أن لا نضر أحدا ذكرك فمن قرأ حين خاف مضرتهما سلام على نوح في العالمين ما ضرتاه .قال الحسن : لم يحمل نوح في السفينة إلا ما يلد ويبيض ، فأما ما يتولد من الطين من حشرات الأرض كالبق والبعوض فلم يحمل منها شيئا .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور اختلف في التنور على أقوال سبعة :الأول : أنه وجه الأرض ، والعرب تسمي وجه الأرض تنورا ; قاله ابن عباس وعكرمة والزهري وابن عيينة ; وذلك أنه قيل له : إذا رأيت الماء على وجه الأرض فاركب أنت ومن معك .الثاني : أنه تنور الخبز الذي يخبز فيه ; وكان تنورا من حجارة ; وكان لحواء حتى صار لنوح ; فقيل له : إذا رأيت الماء يفور من التنور فاركب أنت وأصحابك . وأنبع الله الماء من التنور ، فعلمت به امرأته فقالت : يا نوح فار الماء من التنور ; فقال : جاء وعد ربي حقا . هذا قول الحسن ; وقاله مجاهد وعطية عن ابن عباس .الثالث : أنه موضع اجتماع الماء في السفينة ; عن الحسن أيضا .الرابع : أنه طلوع الفجر ، ونور الصبح ; من قولهم : نور الفجر تنويرا ; قاله علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - .الخامس : أنه مسجد الكوفة ; قاله علي بن أبي طالب أيضا ; وقاله مجاهد . قال مجاهد : كان ناحية التنور بالكوفة . وقال : اتخذ نوح السفينة في جوف مسجد الكوفة ، وكان التنور على يمين الداخل مما يلي كندة . وكان فوران الماء منه علما لنوح ، ودليلا على هلاك قومه . قال الشاعر وهو أمية :فار تنورهم وجاش بماء صار فوق الجبال حتى علاهاالسادس : أنه أعالي الأرض ، والمواضع المرتفعة منها ; قاله قتادة .السابع : أنه العين التي بالجزيرة " عين الوردة " رواه عكرمة . وقال مقاتل : كان ذلك تنور آدم ، وإنما كان بالشام بموضع يقال له : " عين وردة " وقال ابن عباس أيضا : ( فار تنور آدم بالهند ) . قال النحاس : وهذه الأقوال ليست بمتناقضة ; لأن الله - عز وجل - أخبرنا أن الماء جاء من السماء والأرض ; قال : ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا . فهذه الأقوال تجتمع في أن ذلك كان علامة . والفوران الغليان . والتنور اسم أعجمي عربته العرب ، وهو على بناء فعل ; لأن أصل بنائه تنر ، وليس في كلام العرب نون قبل راء . وقيل : معنى " فار التنور " التمثيل لحضور العذاب ; كقولهم : حمي الوطيس إذا اشتدت الحرب . والوطيس التنور . ويقال : فارت قدر القوم إذا اشتد حربهم ; قال شاعرهم :تركتم قدركم لا شيء فيها وقدر القوم حامية تفورقوله تعالى : قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين يعني ذكرا وأنثى ; لبقاء أصل النسل بعد الطوفان . وقرأ حفص من كل زوجين اثنين بتنوين كل أي من كل شيء زوجين . والقراءتان ترجعان إلى معنى واحد : شيء معه آخر لا يستغني عنه . ويقال للاثنين : هما زوجان ، في كل اثنين لا يستغني أحدهما عن صاحبه ; فإن العرب تسمي كل واحد منهما زوجا يقال : له زوجا نعل إذا كان له نعلان . وكذلك عنده زوجا حمام ، وعليه زوجا قيود ; قال الله تعالى : وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى . . ويقال للمرأة هي زوج الرجل ، وللرجل هو زوجها . وقد يقال للاثنين هما زوج ، وقد يكون الزوجان بمعنى الضربين ، والصنفين ، وكل ضرب يدعى زوجا ; قال الله تعالى : وأنبتت من كل زوج بهيج أي من كل لون وصنف . وقال الأعشى :وكل زوج من الديباج يلبسه أبو قدامة محبو بذاك معاأراد كل ضرب ولون . و " من كل زوجين " في موضع نصب ب " احمل " . اثنين تأكيد ." وأهلك " أي واحمل أهلك .إلا من سبق " من " في موضع نصب بالاستثناء ." عليه القول " منهم أي بالهلاك ; وهو ابنه كنعان وامرأته واعلة كانا كافرين .ومن آمن قال الضحاك وابن جريج : أي احمل من آمن بي ، أي من صدقك ; ف " من " في موضع نصب ب " احمل " .وما آمن معه إلا قليل قال ابن عباس - رضي الله عنهما - : ( آمن من قومه ثمانون إنسانا ، منهم ثلاثة من بنيه ; سام وحام ويافث ، وثلاث كنائن له . ولما خرجوا من السفينة بنوا قرية وهي اليوم تدعى قرية الثمانين بناحية الموصل ) . وورد في الخبر أنه كان في السفينة ثمانية أنفس ; نوح وزوجته غير التي عوقبت ، وبنوه الثلاثة وزوجاتهم ; وهو قول قتادة والحكم بن عتيبة وابن جريج ومحمد بن كعب ; فأصاب حام امرأته في السفينة ، فدعا نوح الله أن يغير نطفته فجاء بالسودان . قال عطاء : ودعا نوح على حام ألا يعدو شعر أولاده آذانهم ، وأنهم حيثما كان ولده يكونون عبيدا لولد سام ويافث . وقال الأعمش : كانوا سبعة ; نوح وثلاث كنائن وثلاثة بنين ; وأسقط امرأة نوح . وقال ابن إسحاق : كانوا عشرة سوى نسائهم ; نوح وبنوه سام وحام ويافث ، وستة أناس ممن كان آمن به ، وأزواجهم جميعا . و " قليل " رفع ب " آمن " ، ولا يجوز نصبه على الاستثناء ; لأن الكلام قبله لم يتم ، إلا أن الفائدة في دخول إلا وما لأنك لو قلت : آمن معه فلان وفلان جاز أن يكون غيرهم قد آمن ; فإذا جئت بما وإلا ، أوجبت لما بعد إلا ونفيت عن غيرهم .
ex