أتجترئون وتنسبون إلى الله تعالى مَن يُرَبَّى في الزينة، وهو في الجدال غير مبين لحجته؛ لأنوثته؟
تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)
«أو» همزة الإنكار وواو العطف بجملة، أي يجعلون لله «من يُنشأ في الحلية» الزينة «وهو في الخصام غير مبين» مظهر الحجة لضعفه عنها بالأنوثة.
تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)
ومنها: أن الأنثى ناقصة في وصفها، وفي منطقها وبيانها، ولهذا قال تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ أي: يجمل فيها، لنقص جماله، فيجمل بأمر خارج عنه؟ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ أي: عند الخصام الموجب لإظهار ما عند الشخص من الكلام، غَيْرُ مُبِينٍ أي: غير مبين لحجته، ولا مفصح عما احتوى عليه ضميره، فكيف ينسبونهن للّه تعالى؟
تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)
ثم قال : ( أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين ) أي : المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة ، وإذا خاصمت فلا عبارة لها ، بل هي عاجزة عيية ، أومن يكون هكذا ينسب إلى جناب الله عز وجل ؟ ! فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن ، في الصورة والمعنى ، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه ، ليجبر ما فيها من نقص ، كما قال بعض شعراء العرب :وما الحلي إلا زينة من نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا وأما إذا كان الجمال موفراكحسنك ، لم يحتج إلى أن يزوراوأما نقص معناها ، فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار ، لا عبارة لها ولا همة ، كما قال بعض العرب وقد بشر ببنت : " ما هي بنعم الولد : نصرها بالبكاء ، وبرها سرقة " .
تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)
ثم أضاف- سبحانه- إلى تبكيتهم السابق تبكيتا آخر فقال: أَوَمَنْ يُنَشَّؤُا فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصامِ غَيْرُ مُبِينٍ.والاستفهام للإنكار. وكلمة مَنْ عبارة عن جنس الإناث، وهي في محل نصب بمضمر معطوف على جَعَلُوا ويُنَشَّؤُا يربى وينشأ. يقال: نشأ فلان في بنى فلان، إذا شب وترعرع فيهم والْحِلْيَةِ: اسم لما يتحلى ويتزين به.أى: أيجترئون ويجعلون لله- تعالى- الإناث، اللائي من شأنهن أن ينشأن في الزينة، لأن هذه الحياة هي المناسبة لهن ولتكوينهن الجسدى، واللائي من شأن معظمهن أنهن لا يقدرن على الدفاع عن أنفسهن لضعفهن وقصورهن في الجدال وفي بيان الحجة التي ترد الخصم، وتزيل الشبهة..فالمقصود من الآية الكريمة تأنيب هؤلاء المشركين على جهلهم وسوء أدبهم، حيث إنهم نسبوا إلى الله- تعالى- الإناث اللائي من شأنهن النشأة في الحلية والدعة والنعومة، فصرن بمقتضى هذه النشأة، وبمقتضى تكوينهن البدني والعقلي، لا يقدرن على جدال أو قتال.. بينما نسبوا إلى أنفسهم الذكور الذين هم قوامون على النساء.وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنْثى. تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى.
تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)
( أومن ينشأ ) قرأ حمزة والكسائي وحفص : " ينشأ " بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين ، أي يربى ، وقرأ الآخرون بفتح الياء وسكون النون وتخفيف الشين ، أي ينبت ويكبر ، ( في الحلية ) في الزينة يعني النساء ، ( وهو في الخصام غير مبين ) في المخاصمة غير مبين للحجة من ضعفهن وسفههن . قال قتادة في هذه الآية : قلما تتكلم امرأة فتريد أن تتكلم بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها .وفي محل " من " ثلاثة أوجه : الرفع على الابتداء ، والنصب على الإضمار مجازه : أومن ينشأ في الحلية يجعلونه بنات الله ، والخفض ردا على قوله : " مما يخلق " ، وقوله : " بما ضرب " .
تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)
قوله تعالى : أومن ينشؤ في الحلية . فيه مسألتان : الأولى : قوله تعالى : أومن ينشؤ أي يربى ويشب . والنشوء : التربية ، يقال : نشأت في بني فلان نشئا ونشوءا إذا شببت فيهم . ونشئ وأنشئ بمعنى . وقرأ ابن عباس والضحاك وابن وثاب وحفص وحمزة والكسائي وخلف ( ينشؤ ) بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين ، أي : يربى ويكبر في الحلية . واختاره أبو عبيد ، لأن الإسناد فيها أعلى . وقرأ الباقون ( ينشأ ) بفتح الياء وإسكان النون ، واختاره أبو حاتم ، أي : يرسخ وينبت ، وأصله من نشأ أي : ارتفع ، قاله الهروي . فينشأ متعد ، و ( ينشأ ) لازم .الثانية : قوله تعالى : في الحلية أي في الزينة . قال ابن عباس وغيره : هن الجواري زيهن غير زي الرجال . قال مجاهد : رخص للنساء في الذهب والحرير ، وقرأ هذه الآية . قال إلكيا : فيه دلالة على إباحة الحلي للنساء ، والإجماع منعقد عليه والأخبار فيه لا تحصى .قلت : روي عن أبي هريرة أنه كان يقول لابنته : يا بنية ، إياك والتحلي بالذهب! فإني أخاف عليك اللهب .قوله تعالى : وهو في الخصام غير مبين أي في المجادلة والإدلاء بالحجة . قال قتادة ، ما تكلمت امرأة ولها حجة إلا جعلتها على نفسها . وفي مصحف عبد الله ( وهو في الكلام غير مبين ) ومعنى الآية : أيضاف إلى الله من هذا وصفه! أي : لا يجوز ذلك . وقيل : المنشأ في الحلية أصنامهم التي صاغوها من ذهب وفضة وحلوها ، قال ابن زيد والضحاك . ويكون معنى وهو في الخصام غير مبين على هذا القول : أي : ساكت عن الجواب . و ( من ) في محل نصب ، أي : اتخذوا لله من ينشأ في الحلية . ويجوز أن يكون رفعا على الابتداء ، والخبر مضمر ، قاله الفراء . وتقديره : أومن كان على هذه الحالة يستحق العبادة . وإن شئت قلت خفض ردا إلى أول الكلام وهو قوله : بما ضرب أو على ما في قوله : مما يخلق بنات وكون البدل في هذين الموضعين ضعيف لكون ألف الاستفهام حائلة بين البدل والمبدل منه .