سورة التكوير : الآية 8

تفسير الآية 8 سورة التكوير

وَإِذَا ٱلْمَوْءُۥدَةُ سُئِلَتْ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

إذا الشمس لُفَّت وذهب ضَوْءُها، وإذا النجوم تناثرت، فذهب نورها، وإذا الجبال سيِّرت عن وجه الأرض فصارت هباءً منبثًا، وإذا النوق الحوامل تُركت وأهملت، وإذا الحيوانات الوحشية جُمعت واختلطت؛ ليقتصَّ الله من بعضها لبعض، وإذا البحار أوقدت، فصارت على عِظَمها نارًا تتوقد، وإذا النفوس قُرنت بأمثالها ونظائرها، وإذا الطفلة المدفونة حية سُئلت يوم القيامة سؤالَ تطييب لها وتبكيت لوائدها: بأيِّ ذنب كان دفنها؟ وإذا صحف الأعمال عُرضت، وإذا السماء قُلعت وأزيلت من مكانها، وإذا النار أوقدت فأضرِمت، وإذا الجنة دار النعيم قُرِّبت من أهلها المتقين، إذا وقع ذلك، تيقنتْ ووجدتْ كلُّ نفس ما قدَّمت من خير أو شر.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«وإذا الموءودة» الجارية تدفن حية خوف العار والحاجة «سئلت» تبكيتا لقاتلها.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ وهو الذي كانت الجاهلية الجهلاء تفعله من دفن البنات وهن أحياء من غير سبب، إلا خشية الفقر.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

وقوله ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) هكذا قراءة الجمهور : ( سئلت ) والموءودة هي التي كان أهل الجاهلية يدسونها في التراب كراهية البنات فيوم القيامة تسأل الموءودة على أي ذنب قتلت ليكون ذلك تهديدا لقاتلها فإذا سئل المظلوم فما ظن الظالم إذاوقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس ( وإذا الموءودة سئلت ) أي سألت وكذا قال أبو الضحى سألت " أي طالبت بدمها وعن السدي وقتادة مثله .وقد وردت أحاديث تتعلق بالموءودة فقال الإمام أحمدحدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا سعيد بن أبي أيوب حدثني أبو الأسود وهو محمد بن عبد الرحمن بن نوفل - عن عروة عن عائشة عن جدامة بنت وهب أخت عكاشة قالت حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في ناس وهو يقول " لقد هممت أن أنهى عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم ولا يضر أولادهم ذلك شيئا ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم - ذلك الوأد الخفي وهو الموءودة سئلتورواه مسلم من حديث أبي عبد الرحمن المقرئ وهو عبد الله بن يزيد عن سعيد بن أبي أيوب ورواه أيضا ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن يحيى بن إسحاق السيلحيني عن يحيى بن أيوب ورواه مسلم أيضا وأبو داود والترمذي والنسائي من حديث مالك بن أنس ثلاثتهم عن أبي الأسود به .وقال الإمام أحمد حدثنا ابن أبي عدي عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن علقمة عن سلمة بن يزيد الجعفي قال انطلقت أنا وأخي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلنا يا رسول الله إن أمنا مليكة كانت تصل الرحم وتقري الضيف وتفعل [ وتفعل هلكت في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئا قال لا " قلنا فإنها كانت وأدت أختا لنا في الجاهلية فهل ذلك نافعها شيئا قال الوائدة والموءودة في النار إلا أن يدرك الوائدة الإسلام فيعفو الله عنهاورواه النسائي من حديث داود بن أبي هند به .وقال ابن أبي حاتم حدثنا أحمد بن سنان الواسطي حدثنا أبو أحمد الزبيري ، حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن علقمة وأبي الأحوص عن ابن مسعود قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الوائدة والموءودة في النار "وقال أحمد أيضا : حدثنا إسحاق الأزرق أخبرنا عوف حدثتني حسناء ابنة معاوية الصريمية عن عمها قال قلت يا رسول الله من في الجنة ؟ قال النبي في الجنة والشهيد في الجنة والمولود في الجنة والموءودة في الجنة "وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي ، حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا قرة قال سمعت الحسن يقول : قيل يا رسول الله من في الجنة قال الموءودة في الجنةهذا حديث مرسل من مراسيل الحسن ومنهم من قبلهوقال ابن أبي حاتم حدثني أبو عبد الله الظهراني حدثنا حفص بن عمر العدني حدثنا الحكم بن أبان عن عكرمة قال : قال ابن عباس أطفال المشركين في الجنة فمن زعم أنهم في النار فقد كذب يقول الله عز وجل ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) قال ابن عباس هي المدفونةوقال عبد الرزاق أخبرنا إسرائيل عن سماك بن حرب عن النعمان بن بشير عن عمر بن الخطاب في قوله ( وإذا الموءودة سئلت بأي ذنب قتلت ) ، قال جاء قيس بن عاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وأدت بنات لي في الجاهلية فقال أعتق عن كل واحدة منهن رقبة قال يا رسول الله إني صاحب إبل ؟ قال فانحر عن كل واحدة منهن بدنةقال الحافظ أبو بكر البزار خولف فيه عبد الرزاق ولم نكتبه إلا عن الحسين بن مهدي عنه .وقد رواه ابن أبي حاتم فقال : أخبرنا أبو عبد الله الظهراني فيما كتب إلي قال حدثنا عبد الرزاق فذكره بإسناده مثله إلا أنه قال وأدت ثمان بنات لي في الجاهلية وقال في آخره فأهد إن شئت عن كل واحدة بدنة ثم قالحدثنا أبي ، حدثنا عبد الله بن رجاء حدثنا قيس بن الربيع عن الأغر بن الصباح عن خليفة بن حصين قال : قدم قيس بن عاصم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إني وأدت اثنتي عشرة ابنة لي في الجاهلية أو ثلاث عشرة قال " أعتق عددهن نسما قال فأعتق عددهن نسما فلما كان في العام المقبل جاء بمائة ناقة فقال يا رسول الله هذه صدقة قومي على أثر ما صنعت بالمسلمين قال علي بن أبي طالب فكنا نريحها ونسميها القيسية .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

ثم قال - تعالى - : ( وَإِذَا الموءودة سُئِلَتْ . بِأَىِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ ) ولفظ " الموءودة " من الوأد ، وهو دفن الطفلة الحية .قال صاحب الكشاف وأد يئد مقلوب من آد يؤود : إذا أثقل . قال - تعالى - ( وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا ) لأنه إثقال بالتراب .فإن قلت : ما حملهم على وأد البنات؟ قلت : الخوف من لحوق العار بهم من أجلهن ، أو الخوف من الإِملاق .فإن قلت : فما معنى سؤال الموءودة عن ذنبها الذى قتلت به؟ وهلا سئل الوائد عن موجب قتله لها؟ قلت : سؤالها وجوابها تبكيت لقاتلها ، نحو التبكيت - لقوم عيسى - فى قوله - تعالى - لعيسى :( أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ اتخذوني وَأُمِّيَ إلهين مِن دُونِ الله ) أى : وإذا الموءودة سئلت ، على سبيل التبكيت والتقريع لمن قتلها ، بأى سبب من الأسباب قتلك قاتلك .

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( وإذا الموءودة سئلت ) وهي الجارية المدفونة حية ، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب فيئدها ، أي يثقلها حتى تموت ، وكانت العرب تدفن البنات حية مخافة العار والحاجة ، يقال : [ أود هذا ليس بصحيح من حيث البناء لأن الموءودة من الوأد لا من الأود يقال ] وأد يئد وأدا ، فهو وائد ، والمفعول موءود .روى عكرمة عن ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت وكان أوان ولادتها حفرت حفرة فتمخضت على رأس الحفرة ، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة ، وإن ولدت غلاما حبسته .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت الموؤدة المقتولة ; وهي الجارية تدفن وهي حية ، سميت بذلك لما يطرح عليها من التراب ، فيؤودها أي يثقلها حتى تموت ; ومنه قوله تعالى : ولا يئوده حفظهما أي لا يثقله ; وقال متمم بن نويرة :وموؤودة مقبورة في مفازة بآمتها موسودة لم تمهدوكانوا يدفنون بناتهم أحياء لخصلتين : إحداهما كانوا يقولون إن الملائكة بنات الله ، فألحقوا البنات به . الثانية إما مخافة الحاجة والإملاق ، وإما خوفا من السبي والاسترقاق . وقد مضى في سورة ( النحل ) هذا المعنى ، عند قوله تعالى : أم يدسه في التراب مستوفى . وقد كان ذوو الشرف منهم يمتنعون من هذا ، ويمنعون منه ، حتى افتخر به الفرزدق ، فقال :ومنا الذي منع الوائدات فأحيا الوئيد فلم يوأديعني جده صعصعة كان يشتريهن من آبائهن . فجاء الإسلام وقد أحيا سبعين موؤودة . وقال ابن عباس : كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة ، وتمخضت على رأسها ، فإن ولدت جارية رمت بها في الحفرة ، وردت التراب عليها ، وإن ولدت غلاما حبسته ، ومنه قول الراجز :سميتها إذ ولدت تموت والقبر صهر ضامن زميتالزميت الوقور ، والزميت مثال الفسيق أوقر من الزميت ، وفلان أزمت الناس أي أوقرهم ، وما أشد تزمته ; عن الفراء . وقال قتادة : كانت الجاهلية يقتل أحدهم ابنته ، ويغذو كلبه ، فعاتبهم الله على ذلك ، وتوعدهم بقوله : وإذا الموؤدة سئلت قال عمر في قوله تعالى : وإذا الموؤدة سئلت قال : جاء قيس بن عاصم إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله ! إني وأدت ثماني بنات كن لي في الجاهلية ، قال : " فأعتق عن كل واحدة منهن رقبة " قال : يا رسول الله إني صاحب إبل ، قال : " فأهد عن كل واحدة منهن بدنة إن شئت " .وقوله تعالى : سئلت سؤال الموؤودة سؤال توبيخ لقاتلها ، كما يقال للطفل إذا ضرب : لم ضربت ؟ وما ذنبك ؟ قال الحسن : أراد الله أن يوبخ قاتلها ; لأنها قتلت بغير ذنب . وقال ابن أسلم : بأي ذنب ضربت ، وكانوا يضربونها . وذكر بعض أهل العلم في قوله تعالى : سئلت قال : طلبت ; كأنه يريد كما يطلب بدم القتيل . قال : وهو كقوله : وكان عهد الله مسئولا أي مطلوبا . فكأنها طلبت منهم ، فقيل أين أولادكم ؟ وقرأ الضحاك وأبو الضحى عن جابر بن زيد وأبي صالح ( وإذا الموؤدة سئلت ) فتتعلق الجارية بأبيها ، فتقول : بأي ذنب قتلتني ؟ ! فلا يكون له عذر ; قاله ابن عباس وكان يقرأ ( وإذا الموؤدة سألت ) وكذلك هو في مصحف أبي .وروى عكرمة عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " إن المرأة التي تقتل ولدها تأتي يوم القيامة متعلقا ولدها بثدييها ، ملطخا بدمائه ، فيقول يا رب ، هذه أمي ، وهذه قتلتني " . والقول الأول عليه الجمهور ، وهو مثل قوله تعالى لعيسى : أأنت قلت للناس ، على جهة التوبيخ والتبكيت لهم ، فكذلك سؤال الموؤودة توبيخ لوائدها ، وهو أبلغ من سؤالها عن قتلها ; لأن هذا مما لا يصح إلا بذنب ، فبأي ذنب كان ذلك ، فإذا ظهر أنه لا ذنب لها ، كان أعظم في البلية وظهور الحجة على قاتلها . والله أعلم . وقرئ ( قتلت ) بالتشديد ، وفيه دليل بين على أن أطفال المشركين لا يعذبون ، وعلى أن التعذيب لا يستحق إلا بذنب .
ex