سورة الشمس : الآية 10

تفسير الآية 10 سورة الشمس

وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّىٰهَا

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

أقسم الله بالشمس ونهارها وإشراقها ضحى، وبالقمر إذا تبعها في الطلوع والأفول، وبالنهار إذا جلَّى الظلمة وكشفها، وبالليل عندما يغطي الأرض فيكون ما عليها مظلمًا، وبالسماء وبنائها المحكم، وبالأرض وبَسْطها، وبكل نفس وإكمال الله خلقها لأداء مهمتها، فبيَّن لها طريق الشر وطريق الخير، قد فاز مَن طهَّرها ونمَّاها بالخير، وقد خسر مَن أخفى نفسه في المعاصي.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«وقد خاب» خسر «مَنْ دسَّاها» أخفاها بالمعصية وأصله دسها أبدلت السين الثانية ألفا تخفيفا.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا أي: أخفى نفسه الكريمة، التي ليست حقيقة بقمعها وإخفائها، بالتدنس بالرذائل، والدنو من العيوب، والاقتراف للذنوب، وترك ما يكملها وينميها، واستعمال ما يشينها ويدسيها.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

( وقد خاب من دساها ) أي : دسسها ، أي : أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى ، حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله - عز وجل - .وقد يحتمل أن يكون المعنى : قد أفلح من زكى الله نفسه ، وقد خاب من دسى الله نفسه ، كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي وأبو زرعة قالا حدثنا سهل بن عثمان ، حدثنا أبو مالك - يعني عمرو بن هشام - عن جويبر ، عن الضحاك ، عن ابن عباس قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول في قول الله : ( قد أفلح من زكاها ) قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " أفلحت نفس زكاها الله " .ورواه ابن أبي حاتم من حديث أبي مالك ، به . وجويبر [ هذا ] هو ابن سعيد ، متروك الحديث ، والضحاك لم يلق ابن عباس .وقال الطبراني : حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح ، حدثنا أبي ، حدثنا ابن لهيعة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مر بهذه الآية : ( ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها ) وقف ، ثم قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، أنت وليها ومولاها ، وخير من زكاها " .حديث آخر : قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو زرعة ، حدثنا يعقوب بن حميد المدني ، حدثنا عبد الله بن عبد الله الأموي ، حدثنا معن بن محمد الغفاري ، عن حنظلة بن علي الأسلمي ، عن أبي هريرة قال : سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ : ( فألهمها فجورها وتقواها ) قال : " اللهم آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " لم يخرجوه من هذا الوجه .وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن نافع - عن ابن عمر - عن صالح بن سعيد ، عن عائشة : أنها فقدت النبي - صلى الله عليه وسلم - من مضجعه ، فلمسته بيدها ، فوقعت عليه وهو ساجد ، وهو يقول : " رب ، أعط نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها " تفرد به .حديث آخر : قال الإمام أحمد : حدثنا عفان ، حدثنا عبد الواحد بن زياد ، حدثنا عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث ، عن زيد بن أرقم قال : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : " اللهم ، إني أعوذ بك من العجز والكسل والهرم ، والجبن والبخل وعذاب القبر . اللهم ، آت نفسي تقواها ، وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها . اللهم ، إني أعوذ بك من قلب لا يخشع ، ومن نفس لا تشبع ، وعلم لا ينفع ، ودعوة لا يستجاب لها " . قال زيد : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمناهن ونحن نعلمكوهن .رواه مسلم من حديث أبي معاوية ، عن عاصم الأحول ، عن عبد الله بن الحارث - وأبي عثمان النهدي ، عن زيد بن أرقم ، به .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

وقوله: دَسَّاها أى: نقصها وأخفاها بالمعاصي والآثام. وأصل فعل دسّى: دسّس، فلما اجتمع ثلاث سينات، قلبت الثالثة ياء، يقال: دس فلان الشيء إذا أخفاه وكتمه.والمعنى: وحق الشمس وضحاها، وحق القمر إذا تلاها. وحق النفس وحق من سواها، وجعلها متمكنة من معرفة الخير والشر. لقد أفلح وفاز وظفر بالمطلوب، ونجا من المكروه، من طهر نفسه من الذنوب والمعاصي. وقد خاب وخسر نفسه. وأوقعها في التهلكة، من نقصها وأخفاها وأخملها وحال بينها وبين فعل الخير بسبب ارتكاب الموبقات والشرور.قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله- تعالى-: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها جواب القسم.وإليه ذهب الزجاج وغيره. والأصل: لقد أفلح، فحذفت اللام لطول الكلام المقتضى للتخفيف. وفاعل من «زكاها» ضمير «من» والضمير المنصوب للنفس ... .ويرى المحققون من العلماء أن جواب القسم محذوف، للعلم به، فكأنه- سبحانه- قد قال: وحق الشمس وضحاها، وحق القمر إذا تلاها.. ليقعن البعث والحساب والجزاء، أو لتحاسبن على أعمالكم. ودليل هذا الجواب قوله- تعالى- بعد ذلك: كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْواها لأن هذه الآية الكريمة وما بعدها، تدل على أن الله- تعالى- قد اقتضت سنته، أن يحاسب من فسق عن أمره، وأصر على تكذيب رسله.وعلى هذا سار صاحب الكشاف، فقد قال: فإن قلت: فأين جواب القسم؟ قلت: هو محذوف، تقديره: ليدمدمنّ الله عليهم، أى: على مكة لتكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما دمدم على قبيلة ثمود لأنهم كذبوا صالحا- عليه السلام- وأما قوله: قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاها فكلام تابع لقوله: فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها على سبيل الاستطراد، وليس من جواب القسم في شيء.. .وقد أقسم الله- تعالى- بهذه الكائنات المختلفة، والتي لها مالها من المنافع بالنسبة للإنسان وغيره، لتأكيد وحدانيته، وكمال قدرته، وبليغ حكمته.وبدأ- سبحانه- بالشمس، لأنها أعظم هذه الكائنات، وللتنويه بشأن الإسلام، وأن هديه كضياء الشمس، الذي لا يترك للظلام أثرا.وقد ساق الإمام ابن كثير عند تفسيره لهذه الآيات بعض الأحاديث، منها ما رواه الطبراني عن ابن عباس- رضى الله عنهما- قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا مر بهذه الآية:وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها. فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها وقف ثم قال: «اللهم آت نفسي تقواها أنت وليها ومولاها. وخير من زكاها» . وعن أبى هريرة رضى الله عنه. قال: سمعت النبي يقرأ فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها قال: «اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها» .

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

أي خابت وخسرت نفس أضلها الله فأفسدها .وقال الحسن : معناه قد أفلح من زكى نفسه فأصلحها وحملها على طاعة الله - عز وجل - ، " وقد خاب من دساها " أهلكها وأضلها وحملها على المعصية ، فجعل الفعل للنفس .و " دساها " أصله : دسسها من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء ، فأبدلت السين الثانية ياء .والمعنى هاهنا : أخملها وأخفى محلها بالكفر والمعصية .أخبرنا أبو الحسن علي بن يوسف الجويني ، أخبرنا أبو محمد محمد بن علي بن محمد بن شريك الشافعي ، أخبرنا عبد الله بن محمد بن مسلم أبو بكر الجوربذي ، حدثنا أحمد بن حرب ، حدثنا أبو معاوية عن عاصم ، عن أبي عثمان وعبد الله بن الحارث ، عن زيد بن أرقم قال : لا أقول لكم إلا ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنا : " اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل والبخل والجبن والهم وعذاب القبر ، اللهم آت نفسي تقواها وزكها أنت خير من زكاها ، أنت وليها ومولاها ، اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع ، ومن نفس لا تشبع ، ومن قلب لا يخشع ، ومن دعوة لا يستجاب لها " .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

وقد خاب من دساها أي خسرت نفس دسها الله - عز وجل - بالمعصية . وقال ابن عباس : خابت نفس أضلها وأغواها . وقيل : أفلح من زكى نفسه بطاعة الله ، وصالح الأعمال ، وخاب من دس نفسه في المعاصي قاله قتادة وغيره . وأصل الزكاة : النمو والزيادة ، ومنه زكا الزرع : إذا كثر ريعه ، ومنه تزكية القاضي للشاهد ; لأنه يرفعه بالتعديل ، وذكر الجميل . وقد تقدم هذا المعنى في أول سورة ( البقرة ) مستوفى . فمصطنع المعروف والمبادر إلى أعمال البر ، شهر نفسه ورفعها . وكانت أجواد العرب تنزل الربا وارتفاع الأرض ، ليشتهر مكانها للمعتفين ، وتوقد النار في الليل للطارقين . وكانت اللئام تنزل الأولاج والأطراف والأهضام ، ليخفى مكانها عن الطالبين . فأولئك علوا أنفسهم وزكوها ، وهؤلاء أخفوا أنفسهم ودسوها . وكذا الفاجر أبدا خفي المكان ، زمر المروءة غامض الشخص ، ناكس الرأس بركوب المعاصي . وقيل : دساها : أغواها . قال :وأنت الذي دسيت عمرا فأصبحت حلائله منه أرامل ضيعاقال أهل اللغة : والأصل : دسسها ، من التدسيس ، وهو إخفاء الشيء ، فأبدلت سينه ياء كما يقال : قصيت أظفاري وأصله قصصت أظفاري . ومثله قولهم في تقضض : تقضى . وقال ابن الأعرابي : وقد خاب من دساها أي دس نفسه في جملة الصالحين وليس منهم .
ex