سورة الرعد : الآية 8

تفسير الآية 8 سورة الرعد

ٱللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَىٰ وَمَا تَغِيضُ ٱلْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ ۖ وَكُلُّ شَىْءٍ عِندَهُۥ بِمِقْدَارٍ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

الله تعالى يعلم ما تحمل كلُّ أنثى في بطنها، أذكر هو أم أنثى؟ وشقي هو أم سعيد؟ ويعلم ما تنقصه الأرحام، فيسقط أو يولد قبل تسعة أشهر، وما يزيد حمله عليها. وكل شيء مقدَّر عند الله بمقدار من النقصان أو الزيادة لا يتجاوزه.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«الله يعلم ما تحمل كل أنثى» من ذكر وأنثى وواحد ومتعدد وغير ذلك «وما تغيض» تنقص «الأرحام» من مدة الحمل «وما تزداد» منه «وكل شيء عنده بمقدار» بقدر وحدٍّ لا يتجاوزه.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

يخبر تعالى بعموم علمه وسعة اطلاعه وإحاطته بكل شيء فقال: اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى من بني آدم وغيرهم، وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ أي: تنقص مما فيها إما أن يهلك الحمل أو يتضاءل أو يضمحل وَمَا تَزْدَادُ الأرحام وتكبر الأجنة التي فيها، وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ لا يتقدم عليه ولا يتأخر ولا يزيد ولا ينقص إلا بما تقتضيه حكمته وعلمه.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

يخبر تعالى عن تمام علمه الذي لا يخفى عليه شيء ، وأنه محيط بما تحمله الحوامل من كل إناث الحيوانات ، كما قال تعالى : ( ويعلم ما في الأرحام ) [ لقمان : 34 ] أي : ما حملت من ذكر أو أنثى ، أو حسن أو قبيح ، أو شقي أو سعيد ، أو طويل العمر أو قصيره ، كما قال تعالى : ( هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى ) [ النجم : 32 ] .وقال تعالى : ( يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ) [ الزمر : 6 ] أي : خلقكم طورا من بعد طور ، كما قال تعالى : ( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ) [ المؤمنون : 12 - 14 ] وفي الصحيحين عن ابن مسعود قال : قال رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث إليه ملك فيؤمر بأربع كلمات : يكتب رزقه ، وعمره ، وعمله ، وشقي أو سعيد " .وفي الحديث الآخر : " فيقول الملك : أي رب ، أذكر أم أنثى ؟ أي رب ، أشقي أم سعيد ؟ فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيقول الله ويكتب الملك " .وقوله : ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) قال البخاري : حدثنا إبراهيم بن المنذر ، حدثنا معن ، حدثنا مالك ، عن عبد الله بن دينار ، عن ابن عمر ; أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله : لا يعلم ما في غد إلا الله ، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله ، ولا يعلم متى يأتي المطر أحد إلا الله ، ولا تدري نفس بأي أرض تموت ، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله " .وقال العوفي ، عن ابن عباس : ( وما تغيض الأرحام ) يعني : السقط ( وما تزداد ) يقول : ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما . وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر ، ومنهن من تحمل تسعة أشهر ، ومنهن من تزيد في الحمل ، ومنهن من تنقص ، فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله تعالى ، وكل ذلك بعلمه تعالى .وقال الضحاك ، عن ابن عباس في قوله : ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) قال : ما نقصت من تسعة وما زاد عليها .وقال الضحاك : وضعتني أمي وقد حملتني في بطنها سنتين ، وولدتني وقد نبتت ثنيتي .وقال ابن جريج ، عن جميلة بنت سعد ، عن عائشة قالت : لا يكون الحمل أكثر من سنتين ، قدر ما يتحرك ظل مغزل .وقال مجاهد : ( وما تغيض الأرحام وما تزداد ) قال : ما ترى من الدم في حملها ، وما تزداد على تسعة أشهر . وبه قال عطية العوفي وقتادة ، والحسن البصري ، والضحاك .وقال مجاهد أيضا : إذا رأت المرأة الدم دون التسعة زاد على التسعة ، مثل أيام الحيض . وقاله عكرمة ، وسعيد بن جبير ، وابن زيد .وقال مجاهد أيضا : ( وما تغيض الأرحام ) إراقة المرأة حتى يخس الولد ( وما تزداد ) إن لم تهرق المرأة تم الولد وعظم .وقال مكحول : الجنين في بطن أمه لا يطلب ، ولا يحزن ولا يغتم ، وإنما يأتيه رزقه في بطن أمه من دم حيضتها فمن ثم لا تحيض الحامل . فإذا وقع إلى الأرض استهل ، واستهلاله استنكار لمكانه ، فإذا قطعت سرته حول الله رزقه إلى ثديي أمه حتى لا يطلب ولا يحزن ولا يغتم ، ثم يصير طفلا يتناول الشيء بكفه فيأكله ، فإذا هو بلغ قال : هو الموت أو القتل ، أنى لي بالرزق ؟ فيقول مكحول : يا ويلك ! غذاك وأنت في بطن أمك ، وأنت طفل صغير ، حتى إذا اشتددت وعقلت قلت : هو الموت أو القتل ، أنى لي بالرزق ؟ ثم قرأ مكحول : ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدار )وقال قتادة : ( وكل شيء عنده بمقدار ) أي : بأجل ، حفظ أرزاق خلقه وآجالهم ، وجعل لذلك أجلا معلوما .وفي الحديث الصحيح : أن إحدى بنات النبي - صلى الله عليه وسلم - بعثت إليه : أن ابنا لها في الموت ، وأنها تحب أن يحضره . فبعث إليها يقول : " إن لله ما أخذ ، وله ما أعطى ، وكل شيء عنده بأجل مسمى ، فمروها فلتصبر ولتحتسب " الحديث بتمامه

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

فقوله- سبحانه- اللَّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ كلام مستأنف مسوق لبيان كمال علمه وقدرته- سبحانه-.وتَغِيضُ من الغيض بمعنى النقص. يقال: غاض الماء إذا نقص.وما موصولة والعائد محذوف. أى: الله وحده هو الذي يعلم ما تحمله كل أنثى في بطنها من علقة أو مضغة ومن ذكر أو أنثى ... وهو وحده- سبحانه- الذي يعلم ما يكون في داخل الأرحام من نقص في الخلقة أو زيادة فيها، ومن نقص في مدة الحمل أو زيادة فيها، ومن نقص في العدد أو زيادة فيه ...قال ابن كثير: «قوله: وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ وَما تَزْدادُ، قال البخاري: حدثنا إبراهيم بن المنذر. حدثنا معن، حدثنا مالك عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مفاتيح الغيب خمس لا يعلمها إلا الله: لا يعلم ما في غد إلا الله، ولا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله، ولا يعلم متى يأتى المطر إلا الله، ولا تدرى نفس بأى أرض تموت، ولا يعلم متى تقوم الساعة إلا الله» .وقال العوفى عن ابن عباس وَما تَغِيضُ الْأَرْحامُ يعنى السقط وَما تَزْدادُ.يقول: ما زادت الرحم في الحمل على ما غاضت حتى ولدته تماما. وذلك أن من النساء من تحمل عشرة أشهر، ومنهن من تحمل تسعة أشهر، ومنهن من تزيد في الحمل ومنهن من تنقص. فذلك الغيض والزيادة التي ذكر الله- تعالى- وكل ذلك بعلمه- سبحانه- .وقوله: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ أى: وكل شيء عنده- سبحانه- بقدر وحد لا يجاوزه ولا ينقص عنه، كما قال- تعالى- إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ . وكما قال- تعالى- وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَما نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ . فهو- سبحانه- يعلم كمية كل شيء وكيفيته وزمانه ومكانه وسائر أحواله.

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

قوله تعالى : ( الله يعلم ما تحمل كل أنثى ) من ذكر أو أنثى ، سوي الخلق أو ناقص الخلق ، واحدا أو اثنين أو أكثر ( وما تغيض الأرحام ) أي ما تنقص ( وما تزداد ) .قال أهل التفسير غيض الأرحام : الحيض على الحمل; فإذا حاضت الحامل كان نقصانا في الولد ، لأن دم الحيض غذاء الولد في الرحم ، فإذا أهرقت الدم ينقص الغذاء فينتقص الولد ، وإذا لم تحض يزداد الولد ويتم ، فالنقصان نقصان خلقة الولد بخروج الدم ، والزيادة تمام خلقته باستمساك الدم .وقيل : إذا حاضت ينتقص الغذاء وتزداد مدة الحمل حتى تستكمل تسعة أشهر ظاهرا ، فإن رأت خمسة أيام دما وضعت لتسعة أشهر وخمسة أيام ، فالنقصان في الغذاء ، والزيادة في المدة .وقال الحسن : غيضها : نقصانها من تسعة أشهر ، والزيادة زيادتها على تسعة أشهر . وقيل النقصان : السقط ، والزيادة : تمام الخلق . وأقل مدة الحمل : ستة أشهر ، فقد يولد المولود لهذه المدة ويعيش .واختلفوا في أكثرها : فقال قوم : أكثرها سنتان ، وهو قول عائشة رضي الله عنها ، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله . وذهب جماعة إلى أن أكثرها أربع سنين ، وإليه ذهب الشافعي رحمه الله ، قال حماد بن سلمة . إنما سمي هرم بن حيان هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين . ( وكل شيء عنده بمقدار ) أي : بتقدير وحد لا يجاوزه ولا يقصر عنه .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شيء عنده بمقدارفيه ثمان مسائل :الأولى : قوله تعالى : الله يعلم ما تحمل كل أنثى أي من ذكر وأنثى ، صبيح وقبيح ، صالح وطالح ; وقد تقدم في سورة " الأنعام " أن الله سبحانه منفرد بعلم الغيب وحده لا شريك له ; وذكرنا هناك حديث البخاري عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : مفاتيح الغيب خمس الحديث . وفيه لا يعلم ما تغيض الأرحام إلا الله .واختلف العلماء في تأويل قوله : وما تغيض الأرحام وما تزداد فقال قتادة : المعنى ما تسقط قبل التسعة الأشهر ، وما تزداد فوق التسعة ; وكذلك قال ابن عباس . وقال مجاهد : إذا حاضت المرأة في حملها كان ذلك نقصانا في ولدها ; فإن زادت على التسعة كان تماما لما نقص ; وعنه : الغيض ما تنقصه الأرحام من الدم ، والزيادة ما تزداد منه . وقيل : الغيض والزيادة . يرجعان إلى الولد ، كنقصان إصبع أو غيرها ، وزيادة إصبع أو غيرها . وقيل : الغيض انقطاع دم الحيض . " وما تزداد " بدم النفاس بعد الوضع .الثانية : في هذه الآية دليل على أن الحامل تحيض ; وهو مذهب مالك والشافعي في أحد قوليه . وقال عطاء والشعبي وغيرهما : لا تحيض ; وبه قال أبو حنيفة ; ودليله الآية . قال ابن عباس في تأويلها : إنه حيض الحبالى ، وكذلك روي عن عكرمة ومجاهد ; وهو قول عائشة ، وأنها كانت تفتي النساء الحوامل إذا حضن أن يتركن الصلاة ; والصحابة إذ ذاك متوافرون ، ولم ينكر منهم أحد عليها ، فصار كالإجماع ; قاله ابن القصار . وذكر أن رجلين ، تنازعا ولدا ، فترافعا إلى عمر - رضي الله عنه - فعرضه على القافة ، فألحقه القافة بهما ، فعلاه عمر بالدرة ، وسأل نسوة من قريش فقال : انظرن ما شأن هذا الولد ؟ فقلن : إن الأول خلا بها وخلاها ، فحاضت على الحمل ، فظنت أن عدتها انقضت ; فدخل بها الثاني ، فانتعش الولد بماء الثاني ; فقال عمر : الله أكبر ! وألحقه بالأول ، ولم يقل إن الحامل لا تحيض ، ولا قال ذلك أحد من الصحابة ; فدل أنه إجماع ، والله أعلم . واحتج المخالف بأن قال لو كانت الحامل تحيض ، وكان ما تراه المرأة من الدم حيضا لما صح استبراء الأمة بحيض ; وهو إجماع وروي عن مالك في كتاب محمد ما يقتضي أنه ليس بحيض .الثالثة : في هذه الآية دليل على أن الحامل قد تضع حملها لأقل من تسعة أشهر وأكثر ، وأجمع العلماء على أن أقل الحمل ستة أشهر ، وأن عبد الملك بن مروان ولد لستة أشهر .الرابعة : وهذه الستة الأشهر هي بالأهلة كسائر أشهر الشريعة ; ولذلك قد روي في المذهب عن بعض أصحاب مالك ، وأظنه في كتاب ابن حارث أنه إن نقص عن الأشهر الستة ثلاثة أيام فإن الولد يلحق لعلة نقص الأشهر وزيادتها ; حكاه ابن عطية .الخامسة : واختلف العلماء في أكثر الحمل ; فروى ابن جريج عن جميلة بنت سعد عن عائشة قالت : يكون الحمل أكثر من سنتين قدر ما يتحول ظل المغزل ; ذكره الدارقطني . وقالت جميلة بنت سعد - أخت عبيد بن سعد ، وعن الليث بن سعد - إن أكثره ثلاث سنين . وعن الشافعي أربع سنين ; وروي عن مالك في إحدى روايتيه ، والمشهور عنه خمس سنين ; وروي عنه لا حد له ، ولو زاد على العشرة الأعوام ; وهي الرواية الثالثة عنه . وعن الزهري ست وسبع . قال أبو عمر : ومن الصحابة من يجعله إلى سبع ; والشافعي : مدة الغاية منها أربع سنين . والكوفيون يقولون : سنتان لا غير . ومحمد بن عبد الحكم يقول : سنة لا أكثر . وداود يقول : تسعة أشهر ، لا يكون عنده حمل أكثر منها . قال أبو عمر : وهذه مسألة لا أصل لها إلا الاجتهاد ، والرد إلى ما عرف من أمر النساء وبالله التوفيق . روى الدارقطني عن الوليد بن مسلم قال : قلت لمالك بن أنس إني حدثت عن عائشة أنها قالت : لا تزيد المرأة في حملها على سنتين قدر ظل المغزل ، فقال : سبحان الله ! من يقول هذا ؟ ! هذه جارتنا امرأة محمد بن عجلان ، تحمل وتضع في أربع سنين ، امرأة صدق ، وزوجها رجل صدق ; حملت ثلاثة أبطن في اثنتي عشرة سنة ، تحمل كل بطن أربع سنين . وذكره عن المبارك بن مجاهد قال : مشهور عندنا كانت امرأة محمد بن عجلان تحمل وتضع في أربع سنين ، وكانت تسمى حاملة الفيل . وروى أيضا قال : بينما مالك بن دينار يوما جالس إذ جاءه رجل فقال : يا أبا يحيى ! ادع لامرأة حبلى منذ أربع سنين قد أصبحت في كرب شديد ; فغضب مالك وأطبق المصحف ثم قال : ما يرى هؤلاء القوم إلا أنا أنبياء ! ثم قرأ ، ثم دعا ، ثم قال : اللهم هذه المرأة إن كان في بطنها ريح فأخرجه عنها الساعة ، وإن كان في بطنها جارية فأبدلها بها غلاما ، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت ، وعندك أم الكتاب ، ورفع مالك يده ، ورفع الناس أيديهم ، وجاء الرسول إلى الرجل فقال : أدرك امرأتك ، فذهب الرجل ، فما حط مالك يده حتى طلع الرجل من باب المسجد على رقبته غلام جعد قطط ، ابن أربع سنين ، قد استوت أسنانه ، ما قطعت سراره ; وروي أيضا أن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال : يا أمير المؤمنين ! إني غبت عن امرأتي سنتين فجئت وهي حبلى ; فشاور عمر الناس في رجمها ، فقال معاذ بن جبل : يا أمير المؤمنين ! إن كان لك عليها سبيل فليس لك على ما في بطنها سبيل ; فاتركها حتى تضع ، فتركها ، فوضعت غلاما قد خرجت ثنيتاه ; فعرف الرجل الشبه فقال : ابني ورب الكعبة ! ; فقال عمر : عجزت النساء أن يلدن مثل معاذ ; لولا معاذ لهلك عمر . وقال الضحاك : وضعتني أمي وقد حملت بي في بطنها سنتين ، فولدتني وقد خرجت سني . ويذكر عن مالك أنه حمل به في بطن أمه سنتين ، وقيل : ثلاث سنين . ويقال : إن محمد بن عجلان مكث في بطن أمه ثلاث سنين ، فماتت به وهو يضطرب اضطرابا شديدا ، فشق بطنها وأخرج وقد نبتت أسنانه . وقال حماد بن سلمة : إنما سمي هرم بن حيان هرما لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين . وذكر الغزنوي أن الضحاك ولد لسنتين ، وقد طلعت سنه فسمي ضحاكا . وقال عباد بن العوام : ولدت جارة لنا لأربع سنين غلاما شعره إلى منكبيه ، فمر به طير فقال : كش .السادسة : قال ابن خويز منداد : أقل الحيض والنفاس وأكثره وأقل الحمل وأكثره مأخوذ من طريق الاجتهاد ; لأن علم ذلك استأثر الله به ، فلا يجوز أن يحكم في شيء منه إلا بقدر ما أظهره لنا ، ووجد ظاهرا في النساء نادرا أو معتادا ; ولما وجدنا امرأة قد حملت أربع سنين وخمس سنين حكمنا بذلك ، والنفاس والحيض لما لم نجد فيه أمرا مستقرأ رجعنا فيه إلى ما يوجد في النادر منهن .السابعة : قال ابن العربي : نقل بعض المتساهلين من المالكيين أن أكثر الحمل تسعة أشهر ; وهذا ما لم ينطق به قط إلا مالكي ، وهم الطبائعيون الذين يزعمون أن مدبر الحمل في الرحم الكواكب السبعة ; تأخذه شهرا شهرا ، ويكون الشهر الرابع منها للشمس ; ولذلك يتحرك ويضطرب ، وإذا تكامل التداول في السبعة الأشهر بين الكواكب السبعة عاد في الشهر الثامن إلى زحل ، فيبقله ببرده ; فيا ليتني تمكنت من مناظرتهم أو مقاتلتهم ! ما بال المرجع بعد تمام الدور يكون إلى زحل دون غيره ؟ الله أخبركم بهذا أم على الله تفترون ؟ ! وإذا جاز أن يعود إلى اثنين منها لم لا يجوز أن يعود التدبير إلى ثلاث أو أربع ، أو يعود إلى جميعها مرتين أو ثلاثا ؟ ! ما هذا التحكم بالظنون الباطلة على الأمور الباطنة ! .الثامنة : قوله تعالى : وكل شيء عنده بمقدار يعني من النقصان والزيادة . ويقال : بمقدار قدر خروج الولد من بطن أمه ، وقدر مكثه في بطنها إلى خروجه . وقال قتادة : في الرزق والأجل . والمقدار القدر ; وعموم الآية يتناول كل ذلك ، والله سبحانه أعلم . قلت : هذه الآية تمدح الله سبحانه وتعالى بها بأنه عالم الغيب والشهادة
ex