وإذا كانوا قد سخروا من دعوتك -أيها الرسول- فلقد سَخِرَتْ أمم من قبلك برسلهم، فلا تحزن فقد أمهلتُ الذين كفروا، ثم أخذتُهم بعقابي، وكان عقابًا شديدًا.
تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)
«ولقد استهزئ برسل من قبلك» كما استهزئ بك وهذا تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم «فأمْليتُ» أمهلت «للذين كفروا ثم أخذتهم» بالعقوبة «فكيف كان عقاب» أي هو واقع موقعه فكذلك أفعل بمن استهزأ بك.
تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)
يقول تعالى لرسوله -مثبتا له ومسليا- وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فلست أول رسول كذب وأوذي فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا برسلهم أي: أمهلتهم مدة حتى ظنوا أنهم غير معذبين. ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ بأنواع العذاب فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ كان عقابا شديدا وعذابا أليما، فلا يغتر هؤلاء الذين كذبوك واستهزؤوا بك بإمهالنا، فلهم أسوة فيمن قبلهم من الأمم، فليحذروا أن يفعل بهم كما فعل بأولئك.
تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)
يقول تعالى مسليا لرسوله - صلى الله عليه وسلم - في تكذيب من كذبه من قومه : ( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) أي : فلك فيهم أسوة ، ( فأمليت للذين كفروا ) أي : أنظرتهم وأجلتهم ، ( ثم أخذتهم ) أخذة رابية ، فكيف بلغك ما صنعت بهم وعاقبتهم ؟ كما قال تعالى : ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير ) [ الحج : 48 ] وفي الصحيحين : " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " ، ثم قرأ رسول الله ، صلى الله عليه وسلم : ( وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد ) [ هود : 102 ] .
تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)
وقوله- سبحانه-: وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ ... تسلية للرسول صلى الله عليه وسلم عما أصابه من حزن بسبب تعنت المشركين معه. ومطالبتهم له بالمطالب السخيفة التي لا صلة لها بدعوته، كطلبهم منه تسيير الجبال وتقطيع الأرض، وتكليم الموتى.والاستهزاء: المبالغة في السخرية والتهكم من المستهزأ به. والإملاء: الإمهال والترك لمدة من الزمان.والتنكير في قوله بِرُسُلٍ للتكثير، فقد استهزأ قوم نوح به، وكانوا كلما مروا عليه وهو يصنع السفينة سخروا منه.واستهزأ قوم شعيب به وقالوا له: فَأَسْقِطْ عَلَيْنا كِسَفاً مِنَ السَّماءِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ .واستهزأ قوم هود به وقالوا له: إِنَّا لَنَراكَ فِي سَفاهَةٍ..... واستهزأ فرعون بموسى فقال: أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكادُ يُبِينُ .والمعنى: ولقد استهزأ الطغاة والجاحدون برسل كثيرين من قبلك- أيها الرسول الكريم- فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُوا أى: فأمهلتهم وتركتهم مدة من الزمان في أمن ودعة.ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ أخذ عزيز مقتدر فَكَيْفَ كانَ عِقابِ فانظر كيف كان عقابي إياهم، لقد كان عقابا رادعا دمرهم تدميرا.فالاستفهام للتعجيب مما حل بهم، والتهويل من شدته وفظاعته وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى- وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَها وَهِيَ ظالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُها وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ .قال ابن كثير: وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «وإن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، ثم قرأ صلى الله عليه وسلم وَكَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَهِيَ ظالِمَةٌ، إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ .
تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)
( ولقد استهزئ برسل من قبلك ) كما استهزءوا بك ( فأمليت للذين كفروا ) أمهلتهم ، وأطلت لهم المدة ، ومنه " الملوان " ، وهما : الليل والنهار ( ثم أخذتهم ) عاقبتهم في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار ( فكيف كان عقاب ) أي : عقابي لهم .
تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)
قوله تعالى : ولقد استهزئ برسل من قبلك فأمليت للذين كفروا ثم أخذتهم تقدم معنى الاستهزاء في " البقرة " ومعنى الإملاء في " آل عمران " أي سخر بهم ، وأزري عليهم ; فأمهلت الكافرين مدة ليؤمن من كان في علمي أنه يؤمن منهم ; فلما حق القضاء أخذتهم بالعقوبة .فكيف كان عقاب أي فكيف رأيتم ما صنعت بهم ، فكذلك أصنع بمشركي قومك .