سورة الرعد : الآية 14

تفسير الآية 14 سورة الرعد

لَهُۥ دَعْوَةُ ٱلْحَقِّ ۖ وَٱلَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِۦ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَىْءٍ إِلَّا كَبَٰسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى ٱلْمَآءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَٰلِغِهِۦ ۚ وَمَا دُعَآءُ ٱلْكَٰفِرِينَ إِلَّا فِى ضَلَٰلٍ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

لله سبحانه وتعالى وحده دعوة التوحيد (لا إله إلا الله)، فلا يُعبد ولا يُدعى إلا هو، والآلهة التي يعبدونها من دون الله لا تجيب دعاء مَن دعاها، وحالهم معها كحال عطشان يمد يده إلى الماء من بعيد؛ ليصل إلى فمه فلا يصل إليه، وما سؤال الكافرين لها إلا غاية في البعد عن الصواب لإشراكهم بالله غيره.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«له» تعالى «دعوة الحق» أي كلمته وهي لا إله إلا الله «والذين يدعون» بالياء والتاء يعبدون «من دونه» أي غيره وهم الأصنام «لا يستجيبون لهم بشيء» مما يطلبونه «إلا» استجابة «كباسط» أي كاستجابة باسط «كفيه إلى الماء» على شفير البئر يدعوه «ليبلغ فاه» بارتفاعه من البئر إليه «وما هو ببالغه» أي فاه أبدا فكذلك ما هم بمستجيبين لهم «وما دعاء الكافرين» عبادتهم الأصنام أو حقيقة الدعاء «إلا في ضلال» ضياع.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

أي: لله وحده دَعْوَةُ الْحَقِّ وهي: عبادته وحده لا شريك له، وإخلاص دعاء العبادة ودعاء المسألة له تعالى، أي: هو الذي ينبغي أن يصرف له الدعاء، والخوف، والرجاء، والحب، والرغبة، والرهبة، والإنابة؛ لأن ألوهيته هي الحق، وألوهية غيره باطلة وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ من الأوثان والأنداد التي جعلوها شركاء لله. لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ أي: لمن يدعوها ويعبدها بشيء قليل ولا كثير لا من أمور الدنيا ولا من أمور الآخرة إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ الذي لا تناله كفاه لبعده، لِيَبْلُغَ ببسط كفيه إلى الماء فَاهُ فإنه عطشان ومن شدة عطشه يتناول بيده، ويبسطها إلى الماء الممتنع وصولها إليه، فلا يصل إليه.كذلك الكفار الذين يدعون معه آلهة لا يستجيبون لهم بشيء ولا ينفعونهم في أشد الأوقات إليهم حاجة لأنهم فقراء كما أن من دعوهم فقراء، لا يملكون مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير. وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ لبطلان ما يدعون من دون الله، فبطلت عباداتهم ودعاؤهم؛ لأن الوسيلة تبطل ببطلان غايتها، ولما كان الله تعالى هو الملك الحق المبين، كانت عبادته حقًّا متصلة النفع لصاحبها في الدنيا والآخرة.وتشبيه دعاء الكافرين لغير الله بالذي يبسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه من أحسن الأمثلة؛ فإن ذلك تشبيه بأمر محال، فكما أن هذا محال، فالمشبه به محال، والتعليق على المحال من أبلغ ما يكون في نفي الشيء كما قال تعالى: إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

قال علي بن أبى طالب ، رضي الله عنه : ( له دعوة الحق ) قال : التوحيد . رواه ابن جرير .وقال ابن عباس ، وقتادة ، ومالك عن محمد بن المنكدر : ( له دعوة الحق ) [ قال ] لا إله إلا الله .( والذين يدعون من دونه ) أي : ومثل الذين يعبدون آلهة غير الله . ( كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه ) قال علي بن أبي طالب : كمثل الذي يتناول الماء من طرف البئر بيده ، وهو لا يناله أبدا بيده ، فكيف يبلغ فاه ؟ .وقال مجاهد : ( كباسط كفيه ) يدعو الماء بلسانه ، ويشير إليه [ بيده ] فلا يأتيه أبدا .وقيل : المراد كقابض يده على الماء ، فإنه لا يحكم منه على شيء ، كما قال الشاعر :فإني وإياكم وشوقا إليكم كقابض ماء لم تسقه أناملهوقال الآخر :فأصبحت مما كان بيني وبينها من الود مثل القابض الماء باليدومعنى الكلام : أن هذا الذي يبسط يده إلى الماء ، إما قابضا وإما متناولا له من بعد ، كما أنه لا ينتفع بالماء الذي لم يصل إلى فيه ، الذي جعله محلا للشرب ، فكذلك هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله إلها غيره ، لا ينتفعون بهم أبدا في الدنيا ولا في الآخرة; ولهذا قال : ( وما دعاء الكافرين إلا في ضلال )

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

ثم بين- سبحانه- أن دعوته هي الدعوة الحق، وما عداها فهو باطل ضائع فقال:لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ أى: له وحده- سبحانه- الدعوة الحق المطابقة للواقع، لأنه هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، وهو الحقيق بالعبادة والالتجاء.فإضافة الدعوة إلى الحق من إضافة الموصوف إلى صفته، وفي هذه الإضافة إيذان بملابستها للحق، واختصاصها به، وأنها بمعزل عن الباطل.ومعنى كونها له: أنه- سبحانه- شرعها وأمر بها.قال الشوكانى: قوله: «له دعوة الحق» إضافة الدعوة إلى الحق للملابسة. أى:الدعوة الملابسة للحق، المختصة به التي لا مدخل للباطل فيها بوجه من الوجوه.وقيل: الحق هو الله- تعالى- والمعنى: أنه لله- تعالى- دعوة المدعو الحق وهو الذي يسمع فيجيب.وقيل: المراد بدعوة الحق هاهنا كلمة التوحيد والإخلاص والمعنى: لله من خلقه أن يوحدوه ويخلصوا له العبادة.وقيل: دعوة الحق، دعاؤه- سبحانه- عند الخوف، فإنه لا يدعى فيه سواه، كما قال- تعالى- وَإِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَنْ تَدْعُونَ إِلَّا إِيَّاهُ.وقيل: الدعوة الحق، أى العبادة الحق فإن عبادة الله هي الحق والصدق» .ثم بين- سبحانه- حال- من يعبد غيره فقال: وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَما هُوَ بِبالِغِهِ.والمراد بالموصول «والذين» الأصنام التي يعبدها المشركون من دون الله.والضمير في يدعون، للمشركين، ورابط الصلة ضمير نصب محذوف أى: يدعونهم.والمعنى: لله- تعالى- العبادة الحق، والتضرع الحق النافع، أما الأصنام التي يعبدها هؤلاء المشركون من غير الله. فإنها لا تجيبهم إلى شيء يطلبونه منها، إلا كإجابة الماء لشخص بسط كفيه إليه من بعيد، طالبا منه أن يبلغ فمه وما الماء ببالغ فم هذا الشخص الأحمق، لأن الماء لا يحس ولا يسمع نداء من يناديه.والمقصود من الجملة الكريمة نفى استجابة الأصنام لما يطلبه المشركون منها نفيا قاطعا، حيث شبه- سبحانه- حال هذه الآلهة الباطلة عند ما يطلب المشركون منها ما هم في حاجة إليه، بحال إنسان عطشان ولكنه غبى أحمق لأنه يمد يده إلى الماء طالبا منه أن يصل إلى فمه دون أن يتحرك هو إليه. فلا يصل إليه شيء من الماء لأن الماء لا يسمع نداء من يناديه.ففي هذه الجملة الكريمة تصوير بليغ لخيبة وجهالة من يتوجه بالعبادة والدعاء لغير الله- تعالى-.وأجرى- سبحانه- على الأصنام ضمير العقلاء في قوله لا يَسْتَجِيبُونَ مجاراة للاستعمال الشائع عند المشركين، لأنهم يعاملون الأصنام معاملة العقلاء.ونكر شيئا في قوله لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ للتحقير. والمراد أنهم لا يستجيبون لهم أية استجابة حتى ولو كانت شيئا تافها.والاستثناء في قوله إِلَّا كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ ... من أعم الأحوال.أى: لا تستجيب الأصنام لمن طلب منها شيئا، إلا استجابة كاستجابة الماء لملهوف بسط كفيه إليه يطلب منه أن يدخل فمه، والماء لا يشعر ببسط كفيه ولا بعطشه ولا يقدر أن يجيب طلبه ولو مكث على ذلك طوال حياته.والضمير «هو» في قوله «وما هو ببالغه» للماء، والهاء في «ببالغه» للفم: أى: وما الماء ببالغ فم هذا الباسط لكفيه.وقيل الضمير «هو» للباسط، والهاء للماء، أى: وما الباسط لكفيه ببالغ الماء فمه.قال القرطبي: «وفي معنى هذا المثل ثلاثة أوجه:أحدها: أن الذي يدعو إلها من دون الله كالظمآن الذي يدعو الماء إلى فيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا لأن الماء لا يستجيب، وما الماء ببالغ إليه، قاله مجاهد.الثاني: أنه كالظمآن الذي يرى خياله في الماء وقد بسط كفه فيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه، لكذب ظنه وفساد توهمه. قاله ابن عباس.الثالث: انه كباسط كفيه إلى الماء ليقبض عليه، فلا يجد في كفه شيئا منه .وقد ضربت العرب مثلا لمن سعى فيما لا يدركه، بالقبض على الماء كما قال الشاعر:ومن يأمن الدنيا يكن مثل قابض ... على الماء، خانته فروج الأصابعوقوله- سبحانه- وَما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلالٍ أى: وما عبادة الكافرين للأصنام، والتجائوهم إليها في طلب الحاجات، إلا في ضياع وخسران لأن هذه الآلهة الباطلة لا تملك لنفسها نفعا ولا ضرا، فضلا عن أن تملك ذلك لغيرها.

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( له دعوة الحق ) أي : لله دعوة الصدق .قال علي رضي الله عنه : دعوة الحق التوحيد .وقال ابن عباس : شهادة أن لا إله إلا الله .وقيل : الدعاء بالإخلاص ، والدعاء الخالص لا يكون إلا لله عز وجل .( والذين يدعون من دونه ) أي : يعبدون الأصنام من دون الله تعالى . ( لا يستجيبون لهم بشيء ) أي : لا يجيبونهم بشيء يريدونه من نفع أو دفع ضر ( إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ) أي : إلا كباسط كفيه ليقبض على الماء [ والقابض على الماء ] لا يكون في يده شيء ، ولا يبلغ إلى فيه منه شيء ، كذلك الذي يدعو الأصنام ، وهي لا تضر ولا تنفع ، لا يكون بيده شيء .وقيل : معناه كالرجل العطشان الذي يرى الماء من بعيد ، فهو يشير بكفه إلى الماء ، ويدعوه بلسانه ، فلا يأتيه أبدا ، هذا معنى قول مجاهد .ومثله عن علي ، وعطاء : كالعطشان الجالس على شفير البئر ، يمد يده إلى البئر فلا يبلغ قعر البئر إلى الماء ، ولا يرتفع إليه الماء ، فلا ينفعه بسط الكف إلى الماء ودعاؤه له ، ولا هو يبلغ فاه ، كذلك الذين يدعون الأصنام لا ينفعهم دعاؤها ، وهي لا تقدر على شيء .وعن ابن عباس : كالعطشان إذا بسط كفيه في الماء لا ينفعه ذلك ما لم يغرف بهما الماء ، ولا يبلغ الماء فاه ما دام باسطا كفيه . وهو مثل ضربه لخيبة الكفار .( وما دعاء الكافرين ) أصنامهم ( إلا في ضلال ) يضل عنهم إذا احتاجوا إليه ، كما قال : ( وضل عنهم ما كانوا يفترون ) ( الأنعام - 24 وغيرها ) .وقال الضحاك ، عن ابن عباس : وما دعاء الكافرين ربهم إلا في ضلال لأن أصواتهم محجوبة عن الله تعالى .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه وما دعاء الكافرين إلا في ضلالقوله تعالى : له دعوة الحق أي لله دعوة الصدق . قال ابن عباس وقتادة وغيرهما : لا إله إلا الله . وقال الحسن : إن الله هو الحق ، فدعاؤه دعوة الحق . وقيل : إن الإخلاص في الدعاء هو دعوة الحق ; قال بعض المتأخرين . وقيل : دعوة الحق دعاؤه عند الخوف ; فإنه لا يدعى فيه إلا إياه . كما قال : ضل من تدعون إلا إياه ; قال الماوردي : وهو أشبه بسياق الآية ; لأنه قال : والذين يدعون من دونهوالذين يدعون من دونه يعني الأصنام والأوثان .لا يستجيبون لهم بشيء أي لا يستجيبون لهم دعاء ، ولا يسمعون لهم نداء .إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه ضرب الله - عز وجل - الماء مثلا ليأسهم من الإجابة لدعائهم ; لأن العرب تضرب لمن سعى فيما لا يدركه مثلا بالقابض الماء باليد ; قال :فأصبحت فيما كان بيني وبينها من الود مثل القابض الماء باليدوفي معنى هذا المثل ثلاثة أوجه أن الذي يدعو إلها من دون الله كالظمآن الذي يدعو الماء إلى فيه من بعيد يريد تناوله ولا يقدر عليه بلسانه ، ويشير إليه بيده فلا يأتيه أبدا ، لأن الماء لا يستجيب ، وما الماء ببالغ إليه ; قاله مجاهد .أنه كالظمآن الذي يرى خياله في الماء وقد بسط كفه فيه ليبلغ فاه وما هو ببالغه ، لكذب ظنه ، وفساد توهمه ; قاله ابن عباس . الثالث : أنه كباسط كفه إلى الماء ليقبض عليه فلا يجمد في كفه شيء منه . وزعم الفراء أن المراد بالماء هاهنا البئر ; لأنها معدن للماء ، وأن المثل كمن مد يده إلى البئر بغير رشاء ; وشاهده قول الشاعر :فإن الماء ماء أبي وجدي وبئري ذو حفرت وذو طويتقال علي - رضي الله عنه - : هو كالعطشان على شفة البئر ، فلا يبلغ قعر البئر ، ولا الماء يرتفع إليه ، ومعنى إلا كباسط إلا كاستجابة باسط كفيه إلى الماء فالمصدر مضاف إلى الباسط ، ثم حذف المضاف ; وفاعل المصدر المضاف مراد في المعنى وهو الماء ; والمعنى : إلا كإجابة باسط كفيه إلى الماء ; واللام في قوله : ليبلغ فاه متعلقة بالبسط ، وقوله : وما هو ببالغه كناية عن الماء ; أي وما الماء ببالغ فاه . ويجوز أن يكون هو كناية عن الفم ; أي ما الفم ببالغ الماء .وما دعاء الكافرين إلا في ضلال أي ليست عبادة الكافرين الأصنام إلا في ضلال ، لأنها شرك ، وقيل : إلا في ضلال أي يضل عنهم ذلك الدعاء ، فلا يجدون منه سبيلا ; كما قال : أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وقال ابن عباس : أي أصوات الكافرين محجوبة عن الله فلا يسمع دعاءهم .
ex