سورة النور : الآية 15

تفسير الآية 15 سورة النور

إِذْ تَلَقَّوْنَهُۥ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِۦ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُۥ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ ٱللَّهِ عَظِيمٌ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

حين تتلقفون الإفك وتتناقلونه بأفواهكم، وهو قول باطل، وليس عندكم به علم، وهما محظوران: التكلم بالباطل، والقول بلا علم، وتظنون ذلك شيئًا هيِّنًا، وهو عند الله عظيم. وفي هذا زجر بليغ عن التهاون في إشاعة الباطل.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

إذ تلقونه بألسنتكم» أي يرونه بعضكم عن بعض وحذف من الفعل إحدى التاءين وإذ منصوب بمسكم أو بأفضتم «وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا» لا إثم فيه «وهو عند الله عظيم» في الإثم.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ أي: تلقفونه، ويلقيه بعضكم إلى بعض، وتستوشون حديثه، وهو قول باطل. وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ والأمران محظوران، التكلم بالباطل، والقول بلا علم، وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا فلذلك أقدم عليه من أقدم من المؤمنين الذين تابوا منه، وتطهروا بعد ذلك، وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ وهذا فيه الزجر البليغ، عن تعاطي بعض الذنوب على وجه التهاون بها، فإن العبد لا يفيده حسبانه شيئا، ولا يخفف من عقوبة الذنب، بل يضاعف الذنب، ويسهل عليه مواقعته مرة أخرى.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

ثم قال تعالى : ( إذ تلقونه بألسنتكم ) قال مجاهد ، وسعيد بن جبير : أي : يرويه بعضكم عن بعض ، يقول هذا : سمعته من فلان ، وقال فلان كذا ، وذكر بعضهم كذا .وقرأ آخرون " إذ تلقونه بألسنتكم . وفي صحيح البخاري عن عائشة : أنها كانت تقرؤها كذلك وتقول : هو من ولق القول . يعني : الكذب الذي يستمر صاحبه عليه ، تقول العرب : ولق فلان في السير : إذا استمر فيه ، والقراءة الأولى أشهر ، وعليها الجمهور ، ولكن الثانية مروية عن أم المؤمنين عائشة .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو أسامة ، عن نافع بن عمر ، عن ابن أبي مليكة ، [ عن عائشة أنها كانت تقرأ : " إذ تلقونه " وتقول : إنما هو ولق القول - والولق : الكذب . قال ابن أبي مليكة ] : هي أعلم به من غيرها .وقوله : ( وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم ) أي : تقولون ما لا تعلمون .ثم قال تعالى : ( وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) أي : تقولون ما تقولون في شأن أم المؤمنين ، وتحسبون ذلك يسيرا [ سهلا ] ولو لم تكن زوجة النبي صلى الله عليه وسلم لما كان هينا ، فكيف وهي زوجة النبي الأمي ، خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ، فعظيم عند الله أن يقال في زوجة رسوله ما قيل! الله يغار لهذا ، وهو سبحانه وتعالى ، لا يقدر على زوجة نبي من أنبيائه ذلك ، حاشا وكلا ولما [ لم يكن ذلك ] فكيف يكون هذا في سيدة نساء الأنبياء ، وزوجة سيد ولد آدم على الإطلاق في الدنيا والآخرة؟! ولهذا قال تعالى ( وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم ) ، وفي الصحيحين : إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ، لا يدري ما تبلغ ، يهوي بها في النار أبعد ما بين السماء والأرض " وفي رواية : " لا يلقي لها بالا " .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

ثم صور - سبحانه - أحوالهم فى تلك الفترة العصيبة من تاريخ الدعوة الإسلامية فقال : ( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ ) . و " إذ " ظرف لقوله - تعالى - ( لَمَسَّكُمْ ) .أى : لمسكم عذاب عظيم . وقت تقليكم هذا الحديث السيىء لسانا عن لسان باستخفاف واستهتار! ويأخذه بعضكم عن بعض بدون تحرج أو تدبر .( وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَّا لَّيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ ) أى : وتقولون بأفواهكم قولا تلوكه الأفواه ، دون أن يكون معه بقية من علم أو بينة أو دليل .ففى هاتين الجملتين زجر شديد لأولئك الذين خاضوا فى حديث الإفك ، بدون تدبر أو تعقل ، حتى لكأنهم - وقد أفلت منهم الزمام ، واستزلهم الشيطان - ينطقون بما ينطقون به بأفواههم لا بوعيهم ، وبألسنتهم لا بعقولهم ، ولا بقلوبهم ، وإنما هم يتفوهون بكلمات لا علم لهم بحقيقتها .ولا دليل معهم على صدقها .وهذا كله يتنافى مع ما يقتضيه الإيمان الصحيح من تثبت ومن حسن ظن بالمؤمنين .ثم ختم - سبحانه - الآية الكريمة بما هو أشد فى الزجر والتهديد فقال : ( وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَهُوَ عِندَ الله عَظِيمٌ ) .أى : وتحسبون أن ما خضتم فيه من كذب على الصديقة بنت الصديق شيئا هينا ، والحال أن ما فعلتموه ليس كذلك ، بل هو عند الله - تعالى - وفى حكمه شىء عظيم ، تضج لهوله الأرض والسماء لأن ما خضتم فيه يسىء إلى النبى صلى الله عليه وسلم ويسىء إلى أهل بيته ، ويسىء إلى صحابى جليل هو صفوان ، ويسىء إلى بيت الصديق - رضى الله عنه - بل ويسىء إلى الجماعة الإسلامية كلها .

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

قوله - عز وجل - : ( إذ تلقونه ) تقولونه ، ( بألسنتكم ) قال مجاهد ومقاتل : يرويه بعضكم عن بعض . وقال الكلبي : وذلك أن الرجل منهم يلقى الرجل فيقول بلغني كذا وكذا يتلقونه تلقيا ، وقال الزجاج : يلقيه بعضكم إلى بعض ، وقرأت عائشة " تلقونه " بكسر اللام وتخفيف القاف من الولق وهو الكذب ، ( وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا ) تظنون أنه سهل لا إثم فيه ، ( وهو عند الله عظيم ) في الوزر .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : إذ تلقونه بألسنتكم قراءة محمد بن السميقع بضم التاء وسكون اللام وضم القاف ؛ من الإلقاء ، وهذه قراءة بينة . وقرأ أبي ، وابن مسعود ( إذ تتلقونه ) من التلقي ، بتاءين . وقرأ جمهور السبعة بحرف التاء الواحدة وإظهار الذال دون إدغام ؛ وهذا أيضا من التلقي . وقرأ أبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي بإدغام الذال في التاء . وقرأ ابن كثير بإظهار الذال وإدغام التاء في التاء ؛ وهذه قراءة قلقة ؛ لأنها تقتضي اجتماع ساكنين ، وليست كالإدغام في قراءة من قرأ ( فلا تناجوا ) ( ولا تنابزوا ) لأن دونه الألف الساكنة ، وكونها حرف لين حسنت هنالك ما لا تحسن مع سكون الذال . وقرأ ابن يعمر ، وعائشة - رضي الله عنهما - وهم أعلم الناس بهذا الأمر - إذ تلقونه بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف ؛ ومعنى هذه القراءة من قول العرب : ولق الرجل يلق ولقا إذا كذب واستمر عليه ؛ فجاءوا بالمتعدي شاهدا على غير المتعدي . قال ابن عطية : وعندي أنه أراد إذ تلقون فيه ؛ فحذف حرف الجر فاتصل الضمير . وقال الخليل ، وأبو عمرو : أصل الولق الإسراع ؛ يقال : جاءت الإبل تلق ؛ أي تسرع .قال :لما رأوا جيشا عليهم قد طرق جاءوا بأسراب من الشأم ولقإن الحصين زلق وزملق جاءت به عنس من الشأم تلقيقال : رجل زلق وزملق ؛ مثال هدبد ، وزمالق وزملق ( بتشديد الميم ) وهو الذي ينزل قبل أن يجامع ؛ قال الراجز :إن الحصين زلق وزملقوالولق أيضا أخف الطعن . وقد ولقه يلقه ولقا . يقال : ولقه بالسيف ولقات ، أي ضربات ؛ فهو مشترك .قوله تعالى : وتقولون بأفواهكم مبالغة ، وإلزام ، وتأكيد . والضمير في تحسبونه عائد على الحديث والخوض فيه والإذاعة له . و هينا أي شيئا يسيرا لا يلحقكم فيه إثم . وهو عند الله في الوزر عظيم . وهذا مثل قوله - عليه السلام - في حديث القبرين : إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أي بالنسبة إليكم .
ex