سورة النساء : الآية 22

تفسير الآية 22 سورة النساء

وَلَا تَنكِحُوا۟ مَا نَكَحَ ءَابَآؤُكُم مِّنَ ٱلنِّسَآءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ فَٰحِشَةً وَمَقْتًا وَسَآءَ سَبِيلًا

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

ولا تتزوجوا مَن تزوجه آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف منكم ومضى في الجاهلية فلا مؤاخذة فيه. إن زواج الأبناء من زوجات آبائهم أمر قبيح يفحش ويعظم قبحه، وبغيض يمقت الله فاعله، وبئس طريقًا ومنهجًا ما كنتم تفعلونه في جاهليتكم.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«ولا تنكحوا ما» بمعنى من «نكح آباؤكم من النساء إلا» لكن «ما قد سلف» من فعلكم ذلك فانه معفوّ عنه «إنه» أي نكاحهن «كان فاحشة» قبيحا «ومقتا» سببا للمقت من الله وهو أشد البغض «وساء» بئس «سبيلا» طريقا ذلك.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

أي: لا تتزوجوا من النساء ما تزوجهن آباؤكم أي: الأب وإن علا. إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً أي: أمرا قبيحا يفحش ويعظم قبحه وَمَقْتًا من الله لكم ومن الخلق بل يمقت بسبب ذلك الابن أباه والأب ابنه، مع الأمر ببره. وَسَاءَ سَبِيلًا أي: بئس الطريق طريقا لمن سلكه لأن هذا من عوائد الجاهلية، التي جاء الإسلام بالتنزه عنها والبراءة منها.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

وقوله تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء [ إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ] ) يحرم تعالى زوجات الآباء تكرمة لهم ، وإعظاما واحتراما أن توطأ من بعده ، حتى إنها لتحرم على الابن بمجرد العقد عليها ، وهذا أمر مجمع عليه .قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا مالك بن إسماعيل ، حدثنا قيس بن الربيع عن أشعث بن سوار ، عن عدي بن ثابت ، عن رجل من الأنصار قال : لما توفي أبو قيس - يعني ابن الأسلت - وكان من صالحي الأنصار ، فخطب ابنه قيس امرأته ، فقالت : إنما أعدك ولدا وأنت من صالحي قومك ، ولكن آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأستأمره . فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : إن أبا قيس توفي . فقال : " خيرا " . ثم قالت : إن ابنه قيسا خطبني وهو من صالحي قومه . وإنما كنت أعده ولدا ، فما ترى ؟ فقال لها : " ارجعي إلى بيتك " . قال : فنزلت هذه الآية ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء [ إلا ما قد سلف ] ) الآية .وقال ابن جرير : حدثنا القاسم ، حدثنا ، حسين ، حدثنا حجاج ، عن ابن جريج ، عن عكرمة في قوله : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ) [ الآية ] قال : نزلت في أبي قيس بن الأسلت ، خلف على أم عبيد الله بنت صخر وكانت تحت الأسلت أبيه ، وفي الأسود بن خلف ، وكان خلف على ابنة أبي طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار ، وكانت عند أبيه خلف ، وفي فاختة ابنة الأسود بن المطلب بن أسد ، كانت عند أمية بن خلف ، فخلف عليها صفوان بن أمية .وقد زعم السهيلي أن نكاح نساء الآباء كان معمولا به في الجاهلية; ولهذا قال : ( إلا ما قد سلف ) كما قال ( وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف ) قال : وقد فعل ذلك كنانة بن خزيمة ، تزوج بامرأة أبيه ، فأولدها ابنه النضر بن كنانة قال : وقد قال صلى الله عليه وسلم : " ولدت من نكاح لا من سفاح " . قال : فدل على أنه كان سائغا لهم ذلك ، فإن أراد أن ذلك كان عندهم يعدونه نكاحا فيما بينهم ، فقد قال ابن جرير : حدثنا محمد بن عبد الله المخرمي حدثنا قراد ، حدثنا ابن عيينة عن عمر ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : كان أهل الجاهلية يحرمون ما حرم الله ، إلا امرأة الأب والجمع بين الأختين ، فأنزل الله : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) ( وأن تجمعوا بين الأختين ) وهكذا قال عطاء وقتادة . ولكن فيما نقله السهيلي من قصة كنانة نظر ، والله أعلم . على كل تقدير فهو حرام في هذه الأمة ، مبشع غاية التبشع ولهذا قال : ( إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا ) ولهذا قال [ تعالى ] ( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ) [ الأنعام : 151 ] وقال ( ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا ) [ الإسراء : 32 ] فزاد هاهنا : ( ومقتا ) أي : بغضا ، أي هو أمر كبير في نفسه ، ويؤدي إلى مقت الابن أباه بعد أن يتزوج بامرأته ، فإن الغالب أن من تزوج بامرأة يبغض من كان زوجها قبله; ولهذا حرمت أمهات المؤمنين على الأمة; لأنهن أمهات ، لكونهن زوجات النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو كالأب [ للأمة ] بل حقه أعظم من حق الآباء بالإجماع ، بل حبه مقدم على حب النفوس صلوات الله وسلامه عليه .وقال عطاء بن أبي رباح في قوله : ( ومقتا ) أي : يمقت الله عليه ( وساء سبيلا ) أي : وبئس طريقا لمن سلكه من الناس ، فمن تعاطاه بعد هذا فقد ارتد عن دينه ، فيقتل ، ويصير ماله فيئا لبيت المال . كما رواه الإمام أحمد وأهل السنن ، من طرق ، عن البراء بن عازب ، عن خاله أبي بردة - وفي رواية : ابن عمر - وفي رواية : عن عمه : أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن يقتله ويأخذ ماله .وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، حدثنا أشعث ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب قال : مر بي عمي الحارث بن عمرو ، ومعه لواء قد عقده له النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له : أي عم ، أين بعثك النبي [ صلى الله عليه وسلم ] ؟ قال : بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرني أن أضرب عنقه .مسألة :وقد أجمع العلماء على تحريم من وطئها الأب بتزويج أو ملك أو بشبهة أيضا ، واختلفوا فيمن باشرها بشهوة دون الجماع ، أو نظر إلى ما لا يحل له النظر إليه منها لو كانت أجنبية . فعن الإمام أحمد رحمه الله أنها تحرم أيضا بذلك . قد روى [ الحافظ ] ابن عساكر في ترجمة خديج الحصني مولى معاوية قال : اشترى لمعاوية جارية بيضاء جميلة ، فأدخلها عليه مجردة وبيده قضيب . فجعل يهوي به إلى متاعها ويقول : هذا المتاع لو كان له متاع! اذهب بها إلى يزيد بن معاوية . ثم قال : لا ادع لي ربيعة بن عمرو الجرشي - وكان فقيها - فلما دخل عليه قال : إن هذه أتيت بها مجردة ، فرأيت منها ذاك وذاك ، وإني أردت أن أبعث بها إلى يزيد . فقال : لا تفعل يا أمير المؤمنين ، فإنها لا تصلح له . ثم قال : نعم ما رأيت . ثم قال : ادع لي عبد الله بن مسعدة الفزاري ، فدعوته ، وكان آدم شديد الأدمة ، فقال : دونك هذه ، بيض بها ولدك . قال : و [ قد ] كان عبد الله بن مسعدة هذا وهبه رسول الله صلى الله عليه وسلم لابنته فاطمة فربته ثم أعتقته ثم كان بعد ذلك مع معاوية من الناس على علي [ بن أبي طالب ] رضي الله عنه .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

أورد المفسرون روايات في سبب نزول قوله- تعالى- وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ الآية.ومن هذه الروايات ما رواه ابن أبى حاتم- بسنده- عن رجل من الأنصار قال: لما توفى أبو قيس- يعنى ابن الأسلت- وكان من صالحي الأنصار، فخطب ابنه قيس امرأته فقالت:إنما أعدك ولدا لي وأنت من صالحي قومك، ولكني آتى رسول الله صلى الله عليه وسلم واستأمره.فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله إن أبا قيس توفى. فقال: «خيرا» . ثم قالت إن ابنه قيسا خطبنى وهو من صالحي قومه، وإنما كنت أعده ولدا لي فماذا ترى؟ فقال لها:«ارجعي إلى بيتك» فنزلت: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ .وقال القرطبي: قوله- تعالى-: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ يقال: كان الناس يتزوجون امرأة الأب برضاها بعد نزول قوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً حتى نزلت هذه الآية وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ فصار حراما في الأحوال كلها، لأن النكاح يقع على الجماع والتزوج، فإن كان الأب تزوج امرأة أو وطئها يغير نكاح حرمت على ابنه.ثم قال: وقد كان في العرب قبائل قد اعتادت أن يخلف ابن الرجل على امرأة أبيه. وكانت هذه السيرة في الأنصار لازمة، وكانت في قريش مباحة على التراضي، فنهى الله المؤمنين عما كان عليه آباؤهم من هذه السيرة» .وقوله وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ إلخ. معطوف على قوله: لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وما في قوله ما نَكَحَ آباؤُكُمْ موصول اسمى مراد به الجنس. أى لا تنكحوا التي نكح آباؤكم. وقوله مِنَ النِّساءِ بيان ل ما الموصولة.ويرى بعضهم أن «ما» هنا مصدرية فيكون المعنى. ولا تنكحوا نكاحا مثل نكاح آبائكم الفاسد الذي كانوا يفعلونه في الجاهلية.قال الآلوسى. وإنما خص هذا النكاح بالنهى، ولم ينظم في سلك نكاح المحرمات الآتية «مبالغة في الزجر عنه. حيث كان ذلك ديدنا لهم في الجاهلية» .فالآية الكريمة تحرم على الأبناء أن يتزوجوا من النساء اللائي كن أزواجا لآبائهم.وكلمة آباؤُكُمْ في قوله وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ تشمل كل الأصول من الرجال.أى: تشمل الأجداد جميعا سواء أكانوا من جهة الأب أم من جهة الأم والاستثناء في قوله إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ استثناء منقطع.والمعنى: لا تنكحوا أيها المؤمنون ما نكح آباؤكم من النساء. لأنه من أفعال الجاهلية القبيحة، أما ما قد سلف ومضى منه قبل نزول هذه الآية فلا تؤاخذون عليه، فمن كان متزوجا من امرأة كانت زوجة لأبيه من النسب أو من الرضاع، فإنها تصير حراما عليه من وقت نزول هذه الآية الكريمة، ويجب عليه أن يفارقها أما ما مضى من هذا النكاح القبيح فلا تثريب عليكم فيه، وتثبت به أحكام النكاح من النسب وغيره من الأحكام.ويرى بعضهم أن الاستثناء هنا متصل مما يستلزمه النهى، ويستوجبه مباشرة المنهي عنه من العقاب. فكأنه قيل: ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فإنه قبيح ومعاقب عليه من الله- تعالى-، إلا ما قد سلف ومضى، فإنه معفو عنه.وقد وجه صاحب الكشاف الاستثناء بوجه آخر فقال: فإن قلت: كيف استثنى ما قد سلف مما نكح آباؤهم؟ قلت: كما استثنى «غير أن سيوفهم» من قول الشاعر:«ولا عيب فيهم» غير أن سيوفهم ... بهن فلول من قراع الكتائبيعنى: إن أمكنكم أن تنكحوا ما قد سلف فانكحوه، فإنه لا يحل لكم غيره، وذلك غير ممكن والغرض المبالغة في تحريمه، وسد الطريق إلى إباحته كما يعلق بالمحال في التأبيد نحو قولهم: حتى يبيض الفأر. وحتى يلج الجمل في سم الخياط .ثم ختم- سبحانه- الآية الكريمة ببيان أن هذا النوع من النكاح في نهاية السوء والقبح فقال: إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَمَقْتاً وَساءَ سَبِيلًا.أى: إن هذا النوع من النكاح كان أمرا زائدا في القبح شرعا وخلقا، لأنه يشبه نكاح الأمهات، ويتنافى مع ما للآباء من وقار واحترام، وما يجب من حسن الصحبة وكان «مقتا» والمقت مصدر بمعنى البغض والكراهية.أى: إن هذا النوع من النكاح كان خصلة بالغة الحد في القبح والفحش، وكان ممقوتا مبغوضا عند الله، وعند ذوى المروءات والعقول السليمة من الناس.قال صاحب الكشاف: كانوا ينكحون روابهم- أى زوجات آبائهم جمع رابة وهي امرأة الأب- وكان ناس منهم من ذوى مروءاتهم يمقتونه- لفظاعته وبشاعته- ويسمونه نكاح المقت. وكان المولود عليه يقال له المقتى- أى المبغوض- ومن ثم قيل وَمَقْتاً كأنه قيل: هو فاحشة في دين الله بالغة في القبح. قبيح ممقوت في المروءة. ولا مزيد على ما يجمع القبحين .وقوله وَساءَ سَبِيلًا أى بئس طريقا طريق ذلك النكاح، إذ فيه هتك حرمة الأب. وتقطيع للرحم التي أمر الله بوصلها.وقوله «وساء» هنا بمعنى بئس، وفيه ضمير يفسره ما بعده. والمخصوص بالذم محذوف تقديره ذلك أى ساء سبيلا سبيل ذلك النكاح.قال الفخر الرازي: اعلم أنه- سبحانه- قد وصف هذا النكاح بأمور ثلاثة:أولها: أنه فاحشة لأن زوجة الأب تشبه الأم فمباشرتها من أفحش الفواحش.وثانيها: المقت: وهو عبارة عن بغض مقرون باستحقار.وثالثها: قوله وَساءَ سَبِيلًا.واعلم أن مراتب القبح ثلاثة: القبح في العقول وفي الشرائع وفي العادات.فقوله- تعالى- إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً إشارة إلى القبح العقلي. وقوله وَمَقْتاً إشارة إلى القبح الشرعي. وقوله وَساءَ سَبِيلًا إشارة إلى القبح في العرف والعادة. ومتى اجتمعت فيه هذه الوجوه فقد بلغ الغاية في القبح» .وقال الإمام ابن كثير، فمن تعاطى هذا النكاح بعد ذلك- أى استباح تعاطيه- فقد ارتد عن دينه فيقتل ويصير ماله فيئا لبيت المال. لما رواه الإمام أحمد وأهل السنن من طرق عن البراء بن عازب أنه بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم- إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده، فأمره أن يقتله ويأخذ ماله.وفي رواية عن البراء قال، مرّ بي عمى الحارث بن عمير ومعه لواء قد عقده له النبي صلى الله عليه وسلم فقلت له، أى عم، أين بعثك النبي صلى الله عليه وسلم فقال، بعثني إلى رجل تزوج امرأة أبيه فأمرنى أن أضرب عنقه» .

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

قوله عز وجل : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء ) كان أهل الجاهلية ينكحون أزواج آبائهم ، قال الأشعث بن سوار : توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت : إني اتخذتك ولدا وأنت من صالحي قومك ، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره ، فأتته فأخبرته ، فأنزل الله تعالى : ( ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف ) ، قيل : بعد ما سلف ، وقيل : معناه لكن ما سلف ، أي : ما مضى في الجاهلية فهو معفو عنه ، ( إنه كان فاحشة ) أي : إنه فاحشة ، و " كان " فيه صلة ، والفاحشة أقبح المعاصي ، ( ومقتا ) أي : يورث مقت الله ، والمقت : أشد البغض ، ( وساء سبيلا ) وبئس ذلك طريقا وكانت العرب تقول لولد الرجل من امرأة أبيه ( مقيت ) وكان منهم الأشعث بن قيس وأبو معيط بن أبي عمرو بن أمية .أخبرنا محمد بن الحسن المروزي ، أخبرنا أبو سهل محمد بن عمرو السجزي ، أنا الإمام أبو سليمان الخطابي ، أنا أحمد بن هشام الحضرمي ، أنا أحمد بن عبد الجبار العطاردي ، عن حفص بن غياث ، عن أشعث بن سوار ، عن عدي بن ثابت ، عن البراء بن عازب قال : مر بي خالي ومعه لواء فقلت : أين تذهب؟ قال : بعثني النبي صلى الله عليه وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه آتيه برأسه " .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلافيه أربع مسائل :الأولى : قوله تعالى : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء يقال : كان الناس يتزوجون امرأة الأب برضاها بعد نزول قوله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها حتى نزلت هذه الآية : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم فصار حراما في الأحوال كلها ؛ لأن النكاح يقع على الجماع والتزوج ، فإن كان الأب تزوج امرأة أو وطئها بغير نكاح حرمت على ابنه ؛ على ما يأتي بيانه إن شاء الله تعالى .الثانية : قوله تعالى : ما نكح قيل : المراد بها النساء . وقيل : العقد ، أي نكاح آبائكم الفاسد المخالف لدين الله ؛ إذ الله قد أحكم وجه النكاح وفصل شروطه . وهو اختيار الطبري . ف من متعلقة ب تنكحوا و " ما نكح " مصدر . قال : ولو كان معناه ولا تنكحوا النساء اللاتي نكح آباؤكم لوجب أن يكون موضع ما " من " . فالنهي على هذا إنما وقع على ألا ينكحوا مثل نكاح آبائهم الفاسد . والأول أصح ، وتكون ما بمعنى " الذي " و " من " . والدليل عليه أن الصحابة تلقت الآية على ذلك المعنى ؛ ومنه استدلت على منع نكاح الأبناء حلائل الآباء . وقد كان في العرب قبائل قد اعتادت أن يخلف ابن الرجل على امرأة أبيه ، وكانت هذه السيرة في الأنصار لازمة ، وكانت في قريش مباحة مع التراضي . ألا ترى أن عمرو بن أمية خلف على امرأة أبيه بعد موته فولدت له مسافرا وأبا معيط ، وكان لها من أمية أبو العيص وغيره ؛ فكان بنو أمية إخوة مسافر وأبي معيط وأعمامهما . ومن ذلك صفوان بن أمية بن خلف تزوج بعد أبيه امرأته فاختة بنت الأسود بن المطلب بن أسد ، وكان أمية قتل عنها . ومن ذلك منظور بن زبان خلف على مليكة بنت خارجة ، وكانت تحت أبيه زبان بن سيار . ومن ذلك حصن بن أبي قيس تزوج امرأة أبيه كبيشة بنت معن . والأسود بن خلف تزوج امرأة أبيه . وقال الأشعث بن سوار : توفي أبو قيس وكان من صالحي الأنصار فخطب ابنه قيس امرأة أبيه فقالت : إني أعدك ولدا ، ولكني آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم أستأمره ؛ فأتته فأخبرته فأنزل الله هذه الآية . وقد كان في العرب من تزوج ابنته ، وهو حاجب بن زرارة تمجس وفعل هذه الفعلة ؛ ذكر ذلك النضر بن شميل في كتاب المثالب . فنهى الله المؤمنين عما كان عليه آباؤهم من هذه السيرة .الثالثة : قوله تعالى : إلا ما قد سلف أي تقدم ومضى . والسلف ؛ من تقدم من آبائك وذوي قرابتك . وهذا استثناء منقطع ، أي لكن ما قد سلف فاجتنبوه ودعوه . وقيل : إلا بمعنى بعد ، أي بعد ما سلف ؛ كما قال تعالى : لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى أي بعد الموتة الأولى . وقيل : إلا ما قد سلف أي ولا ما سلف ؛ كقوله تعالى : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ يعني ولا خطأ . وقيل : في الآية تقديم وتأخير ، معناه : ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا إلا ما قد سلف . وقيل : في الآية إضمار لقوله ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء فإنكم إن فعلتم تعاقبون وتؤاخذون إلا ما قد سلف .الرابعة : قوله تعالى : إنه كان فاحشة ومقتا وساء سبيلا عقب بالذم البالغ المتتابع ، وذلك دليل على أنه فعل انتهى من القبح إلى الغاية . قال أبو العباس : سألت ابن الأعرابي عن نكاح المقت فقال : هو أن يتزوج الرجل امرأة أبيه إذا طلقها أو مات عنها ؛ ويقال لهذا الرجل : الضيزن . وقال ابن عرفة : كانت العرب إذا تزوج الرجل امرأة أبيه فأولدها قيل للولد : المقتي . وأصل المقت البغض ؛ من مقته يمقته مقتا فهو ممقوت ومقيت . فكانت العرب تقول للرجل من امرأة أبيه : مقيت ؛ فسمى تعالى هذا النكاح مقتا إذ هو ذا مقت يلحق فاعله . وقيل : المراد بالآية النهي عن أن يطأ الرجل امرأة وطئها الآباء ، إلا ما قد سلف من الآباء في الجاهلية من الزنى بالنساء لا على وجه المناكحة فإنه جائز لكم زواجهن . وأن تطئوا بعقد النكاح ما وطئه آباؤكم من الزنى ؛ قال ابن زيد : وعليه فيكون الاستثناء متصلا ، ويكون أصلا في أن الزنى لا يحرم على ما يأتي بيانه . والله أعلم .
ex