سورة القيامة : الآية 19

تفسير الآية 19 سورة القيامة

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُۥ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

لا تحرك -أيها النبي- بالقرآن لسانك حين نزول الوحي؛ لأجل أن تتعجل بحفظه، مخافة أن يتفلَّت منك. إن علينا جَمْعه في صدرك، ثم أن تقرأه بلسانك متى شئت. فإذا قرأه عليك رسولنا جبريل فاستمِعْ لقراءته وأنصت له، ثم اقرأه كما أقرأك إياه، ثم إن علينا توضيح ما أشكل عليك فهمه من معانيه وأحكامه.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«ثم إن علينا بيانه» بالتفهيم لك، والمناسبة بين هذه الآية وما قبلها أن تلك تضمنت الإعراض عن آيات الله وهذه تضمنت المبادرة إليها بحفظها.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ أي: بيان معانيه، فوعده بحفظ لفظه وحفظ معانيه، وهذا أعلى ما يكون، فامتثل صلى الله عليه وسلم لأدب ربه، فكان إذا تلا عليه جبريل القرآن بعد هذا، أنصت له، فإذا فرغ قرأه.وفي هذه الآية أدب لأخذ العلم، أن لا يبادر المتعلم المعلم قبل أن يفرغ من المسألة التي شرع فيها، فإذا فرغ منها سأله عما أشكل عليه، وكذلك إذا كان في أول الكلام ما يوجب الرد أو الاستحسان، أن لا يبادر برده أو قبوله، حتى يفرغ من ذلك الكلام، ليتبين ما فيه من حق أو باطل، وليفهمه فهما يتمكن به من الكلام عليه، وفيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كما بين للأمة ألفاظ الوحي، فإنه قد بين لهم معانيه.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

( ثم إن علينا بيانه ) أي : بعد حفظه وتلاوته نبينه لك ونوضحه ، ونلهمك معناه على ما أردنا وشرعنا .وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرحمن ، عن أبي عوانة ، عن موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة ، فكان يحرك شفتيه - قال : فقال لي ابن عباس : أنا أحرك شفتي كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرك شفتيه . وقال لي سعيد : وأنا أحرك شفتي كما رأيت ابن عباس يحرك شفتيه - فأنزل الله عز وجل ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه ) قال : جمعه في صدرك ، ثم تقرأه ، ( فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ) فاستمع له وأنصت . ( ثم إن علينا بيانه ) فكان بعد ذلك إذا انطلق جبريل قرأه كما أقرأه .وقد رواه البخاري ومسلم ، من غير وجه ، عن موسى بن أبي عائشة ، به ، ولفظ البخاري : فكان إذا أتاه جبريل أطرق ، فإذا ذهب قرأه كما وعده الله عز وجل .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج ، حدثنا أبو يحيى التيمي ، حدثنا موسى بن أبي عائشة ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أنزل عليه الوحي يلقى منه شدة ، وكان إذا نزل عليه عرف في تحريكه شفتيه ، يتلقى أوله ويحرك به شفتيه خشية أن ينسى أوله قبل أن يفرغ من آخره ، فأنزل الله : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به )وهكذا قال الشعبي ، والحسن البصري ، وقتادة ، ومجاهد ، والضحاك ، وغير واحد : إن هذه الآية نزلت في ذلك .وقد روى ابن جرير من طريق العوفي ، عن ابن عباس : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به ) قال : كان لا يفتر من القراءة مخافة أن ينساه ، فقال الله : ( لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا ) أن نجمعه لك ( وقرآنه ) أن نقرئك فلا تنسى .وقال ابن عباس وعطية العوفي : ( ثم إن علينا بيانه ) تبيين حلاله وحرامه . وكذا قال قتادة .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

ثم إن علينا بعد ذلك بيان ما خفى عليك منه، وتوضيح ما أشكل عليك من معانيه.قال الإمام ابن كثير ما ملخصه هذا تعليم من الله- تعالى- لنبيه صلى الله عليه وسلم في كيفية تلقيه الوحى من الملك، فإنه كان يبادر إلى أخذه، ويسابق الملك في قراءته.روى الشيخان وغيرهما عن ابن عباس قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك شفتيه- يريد أن يحفظه مخافة أن يتفلت منه شيء، أو من شدة رغبته في حفظه- فأنزل الله- تعالى- هذه الآيات.فأنت ترى أن الله- تعالى- قد ضمن لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يجمع له القرآن في صدره وأن يجريه على لسانه، بدون أى تحريف أو تبديل، وأن يوضح له ما خفى عليه منه.قالوا: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ما نزل عليه الوحى بعد ذلك بالقرآن، أطرق وأنصت، وشبيه بهذه الآيات قوله- سبحانه-: فَتَعالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ، وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ، وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً.ثم عادت السورة الكريمة مرة أخرى إلى الحديث عن يوم القيامة، وعن أحوال الناس فيه، وعن حالة الإنسان في وقت الاحتضار، وعن مظاهر قدرته- تعالى- وعن حكمته في البعث والحساب والجزاء، فقال- سبحانه-:

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( ثم إن علينا بيانه ) علينا أن نبينه بلسانك . قال : فكان إذا أتاه جبريل - عليه السلام - أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله - عز وجل - ، ورواه محمد بن إسماعيل ، عن عبد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن موسى بن أبي عائشة بهذا الإسناد وقال : كان يحرك شفتيه إذا نزل عليه ، يخشى أن ينفلت منه ، فقيل له : " لا تحرك به لسانك " " إن علينا جمعه " أن نجمعه في صدرك " وقرآنه " أن تقرأه .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

وقوله : ثم إن علينا بيانه أي تفسير ما فيه من الحدود والحلال والحرام ; قاله قتادة . وقيل : ثم إن علينا بيان ما فيه من الوعد والوعيد وتحقيقهما وقيل : أي إن علينا أن نبينه بلسانك .
ex