سورة القصص : الآية 24

تفسير الآية 24 سورة القصص

فَسَقَىٰ لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّىٰٓ إِلَى ٱلظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّى لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَىَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

فسقى موسى للمرأتين ماشيتهما، ثم تولى إلى ظل شجرة فاستظلَّ بها وقال: رب إني مفتقر إلى ما تسوقه إليَّ مِن أي خير كان، كالطعام. وكان قد اشتد به الجوع.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«فسقى لهما» من بئر أخرى بقربهما رفع حجراً عنها لا يرفعه إلا عشرة أنفس «ثم تولى» انصرف «إلى الظل» لسمرة من شدة حر الشمس وهو جائع «فقال رب إني لما أنزلت إليَّ من خير» طعام «فقيرٌ» محتاج فرجعتا إلى أبيهما في زمن أقل مما كانتا ترجعان فيه فسألهما عن ذلك فأخبرتاه بمن سقي لهما فقال لإحداهما: ادعيه لي، قال تعالى:

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

فرق لهما موسى عليه السلام ورحمهما فَسَقَى لَهُمَا غير طالب منهما الأجرة، ولا له قصد غير وجه اللّه تعالى، فلما سقى لهما، وكان ذلك وقت شدة حر، وسط النهار، بدليل قوله: ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ مستريحا لذلك الظلال بعد التعب. فَقَالَ في تلك الحالة، مسترزقا ربه رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ أي: إني مفتقر للخير الذي تسوقه إليَّ وتيسره لي. وهذا سؤال منه بحاله، والسؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال، فلم يزل في هذه الحالة داعيا ربه متملقا. وأما المرأتان، فذهبتا إلى أبيهما، وأخبرتاه بما جرى.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

قال الله تعالى : ( فسقى لهما ) قال أبو بكر بن أبي شيبة : حدثنا عبد الله ، أنبأنا إسرائيل ، عن أبى إسحاق ، عن عمرو بن ميمون الأودي ، عن عمر بن الخطاب ، رضي الله عنه ، أن موسى ، عليه السلام ، لما ورد ماء مدين ، وجد عليه أمة من الناس يسقون ، قال : فلما فرغوا أعادوا الصخرة على البئر ، ولا يطيق رفعها إلا عشرة رجال ، فإذا هو بامرأتين تذودان ، قال : ما خطبكما ؟ فحدثتاه ، فأتى الحجر فرفعه ، ثم لم يستق إلا ذنوبا واحدا حتى رويت الغنم . إسناد صحيح .وقوله : ( ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) قال ابن عباس : سار موسى من مصر إلى مدين ، ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر ، وكان حافيا فما وصل مدين حتى سقطت نعل قدمه . وجلس في الظل وهو صفوة الله من خلقه ، وإن بطنه لاصق بظهره من الجوع ، وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه وإنه لمحتاج إلى شق تمرة .وقوله : ( إلى الظل ) قال ابن عباس ، وابن مسعود ، والسدي : جلس تحت شجرة .وقال ابن جرير : حدثني الحسين بن عمرو العنقزي ، حدثنا أبي ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن ميمون ، عن عبد الله - هو ابن مسعود - قال : حثثت على جمل ليلتين ، حتى صبحت مدين ، فسألت عن الشجرة التي أوى إليها موسى ، فإذا شجرة خضراء ترف ، فأهوى إليها جملي - وكان جائعا - فأخذها جملي فعالجها ساعة ، ثم لفظها ، فدعوت الله لموسى ، عليه السلام ، ثم انصرفت .وفي رواية عن ابن مسعود : أنه ذهب إلى الشجرة التي كلم الله منها لموسى ، كما سيأتي والله أعلم .وقال السدي : كانت من شجر السمر .وقال عطاء بن السائب : لما قال موسى ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) ، أسمع المرأة .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

وبعد أن سمع موسى منهما هذه الإجابة، سارع إلى معاونتهما- شأن أصحاب النفوس الكبيرة، والفطرة السليمة، وقد عبر القرآن عن هذه المسارعة بقوله: فَسَقى لَهُما.أى: فسقى لهما مواشيهما سريعا. من أجل أن يريحهما ويكفيهما عناء الانتظار وفي هذا التعبير إشارة إلى قوته، حيث إنه استطاع وهو فرد غريب بين أمة من الناس يسقون- أن يزاحم تلك الكثرة من الناس، وأن يسقى للمرأتين الضعيفتين غنمهما. دون أن يصرفه شيء عن ذلك.رحم الله صاحب الكشاف. فقد أجاد عند عرضه لهذه المعاني. فقال ما ملخصه: «قوله:فَسَقى لَهُما أى: فسقى غنمهما لأجلهما. وروى أن الرعاة كانوا يضعون على رأس البئر حجرا لا يقله إلا سبعة رجال.. فأقله وحده.وإنما فعل ذلك رغبة في المعروف وإغاثة للملهوف والمعنى: أنه وصل إلى ذلك الماء، وقد ازدحمت عليه أمة من الناس، متكافئة العدد، ورأى الضعيفتين من ورائهم، مع غنمهما مترقبتين لفراغهم. فما أخطأت همته في دين الله تلك الفرصة، مع ما كان به من النصب والجوع، ولكنه رحمهما فأغاثهما، بقوة قلبه، وبقوة ساعده.فإن قلت: لم ترك المفعول غير مذكور في قوله يَسْقُونَ وتَذُودانِ قلت: لأن الغرض هو الفعل لا المفعول. ألا ترى أنه إنما رحمهما لأنهما كانتا على الذياد وهم على السقي، ولم يرحمهما لأن مذودهما غنم ومسقيهم إبل مثلا.فإن قلت: كيف طابق جوابهما سؤاله؟ قلت: سألهما عن سبب الذود فقالتا: السبب في ذلك أننا امرأتان ضعيفتان مستورتان لا نقدر على مزاحمة الرجال، فلا بد لنا من تأخير السقي إلى أن يفرغوا، وما لنا رجل يقوم بذلك، وأبونا شيخ كبير، فقد أضعفه الكبر، فلا يصلح للقيام به، فهما قد أبدتا إليه عذرهما في توليهما السقي بأنفسهما.فإن قلت: كيف ساغ لنبي الله الذي هو شعيب- عليه السلام- أن يرضى لا بنتيه بسقى الماشية؟ قلت، الأمر في نفسه ليس بمحظور، فالدين لا يأباه، وأما المروءة فالناس مختلفون في ذلك. والعادات متباينة فيه.. وأحوال العرب فيه خلاف أحوال العجم. ومذهب أهل البدو غير مذهب أهل الحضر، خصوصا إذا كانت الحالة حالة ضرورة.. .وقوله- تعالى-: ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فقال: رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ بيان لما فعله موسى وقاله بعد أن سقى للمرأتين غنمهما.أى: فسقى موسى للمرأتين غنمهما، ثم أعرض عنهما متجها إلى الظل الذي كان قريبا منه في ذلك المكان، قيل كان ظل شجرة وقيل ظل جدار.فقال: على سبيل التضرع إلى ربه: يا ربي: إنى فقير ومحتاج إلى أى خير ينزل منك على سواء أكان هذا الخير طعاما أم غيره.قال الآلوسى ما ملخصه: وقوله: فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ أى: لأى شيء تنزله من خزائن كرمك إلى مِنْ خَيْرٍ جل أو قل، فَقِيرٌ أى: محتاج، وهو خبر إن.وعدى باللام لتضمنه معنى الاحتياج. وما نكرة موصوفة، والجملة بعدها صفتها.والرابط محذوف، ومِنْ خَيْرٍ بيان لها والتنوين فيه للشيوع، والكلام تعريض لما يطعمه، بسبب ما ناله من شدة الجوع.يدل لذلك ما أخرجه ابن مردويه عن أنس بن مالك: قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:«لما سقى موسى للجاريتين، ثم تولى إلى الظل، فقال: رب إنى لما أنزلت إلى من خير فقير، وإنه يومئذ فقير إلى كف من تمر» .

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( فسقى لهما ثم تولى إلى الظل ) ظل شجرة ، فجلس في ظلها من شدة الحر وهو جائع ، ( فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير ) طعام ، ( فقير ) قال أهل اللغة اللام بمعنى " إلى " ، يقال : هو فقير له ، وفقير إليه ، يقول : إني لما أنزلت إلي من خير ، أي : طعام ، فقير محتاج ، كان يطلب الطعام لجوعه . قال ابن عباس : سأل الله تعالى فلقة خبز يقيم بها صلبه . قال الباقر : لقد قالها وإنه لمحتاج إلى شق تمرة . وقال سعيد بن جبير عن ابن عباس : لقد قال موسى : ( رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير ) وهو أكرم خلقه عليه ، ولقد افتقر إلى شق تمرة . وقال مجاهد : ما سأله إلا الخبز . قالوا : فلما رجعتا إلى أبيهما سريعا قبل الناس وأغنامهما حفل بطان ، قال لهما : ما أعجلكما ؟ قالتا : وجدنا رجلا صالحا رحمنا فسقى لنا أغنامنا ، فقال لإحداهما : اذهبي فادعيه لي .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : ثم تولى إلى الظل تولى إلى ظل سمرة ; قاله ابن مسعود وتعرض لسؤال ما يطعمه بقوله : إني لما أنزلت إلي من خير فقير وكان لم يذق طعاما سبعة أيام ، وقد لصق بطنه بظهره ; فعرض بالدعاء ولم يصرح بسؤال ; هكذا روى جميع المفسرين أنه طلب في هذا الكلام ما يأكله ; فالخير يكون بمعنى الطعام كما في هذه الآية ، ويكون بمعنى المال كما قال : إن ترك خيرا وقوله : وإنه لحب الخير لشديد ويكون بمعنى القوة كما قال : أهم خير أم قوم تبع ويكون بمعنى العبادة كقول : وأوحينا إليهم فعل الخيرات قال ابن عباس : وكان قد بلغ به الجوع ، واخضر لونه من أكل البقل في بطنه ، وإنه لأكرم الخلق على الله ويروى أنه لم يصل إلى مدين حتى سقط باطن قدميه . وفي هذا معتبر وإشعار بهوان الدنيا على الله . وقال أبو بكر بن طاهر في قوله : إني لما أنزلت إلي من خير فقير أي إني لما أنزلت من فضلك وغناك فقير إلى أن تغنيني بك عمن سواك .قلت : ما ذكره أهل التفسير أولى ; فإن الله تعالى إنما أغناه بواسطة شعيب .
ex