سورة المنافقون : الآية 6

تفسير الآية 6 سورة المنافقون

سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ ٱللَّهُ لَهُمْ ۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يَهْدِى ٱلْقَوْمَ ٱلْفَٰسِقِينَ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

سواء على هؤلاء المنافقين أطلبت لهم المغفرة من الله -أيها الرسول- أم لم تطلب لهم، إن الله لن يصفح عن ذنوبهم أبدًا؛ لإصرارهم على الفسق ورسوخهم في الكفر. إن الله لا يوفِّق للإيمان القوم الكافرين به، الخارجين عن طاعته.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«سواء عليهم أستغفرت لهم» استغني بهمزة الاستفهام عن همزة الوصل «أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين».

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

فإنه سواء استغفر لهم أم لم يستغفر لهم فلن يغفر الله لهم، وذلك لأنهم قوم فاسقون، خارجون عن طاعة الله، مؤثرون للكفر على الإيمان، فلذلك لا ينفع فيهم استغفار الرسول، لو استغفر لهم كما قال تعالى: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ .

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

ثم جازاهم على ذلك فقال تعالى "سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين" كما قال في سورة براءة وقد تقدم الكلام على ذلك وإيراد الأحاديث المروية هناك وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا ابن أبي عمر العدني قال: قال سفيان "لووا رءوسهم" قال ابن أبي عمر حول سفيان وجهه على يمينه ونظر بعينه شذرا ثم قال هو هذا.وقد ذكر غير واحد من السلف أن هذا السياق كله نزل في عبدالله بن أبي بن سلول كما سنورده قريبا إن شاء الله تعالى وبه الثقة وعليه التكلان.وقد قال محمد بن إسحق في السيرة ولما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة يعني مرجعه من أحد وكان عبدالله بن أبي بن سلول كما حدثني ابن شهاب الزهري له مقام يقومه كل جمعة لا ينكر شرفا له من نفسه ومن قومه وكان فيهم شريفا إذا جلس النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام فقال أيها الناس هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهركم أكرمكم الله به وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أحد ما صنع يعني مرجعه بثلث الجيش ورجع الناس قام يفعل ذلك كما كان يفعله فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا اجلس أي عدو الله لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بجرا أأن قمت أشدد أمره فلقيه رجال من الأنصار بباب المسجد فقالوا ويلك مالك؟ قال قمت أشدد أمره فوثب علي رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني لكأنما قلت بجرا أأن قمت أشدد أمره قالوا ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال والله ما أبتغي أن يستغفر لي.وقال قتادة والسدي أنزلت هذه الآية في عبدالله بن أبي وذلك أن غلاما من قرابته انطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فحدثه بحديث عنه وأمر شديد فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يحلف بالله ويتبرأ من ذلك وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وعزلوه وأنزل الله فيه ما تسمعون وقيل لعدو الله لو أتيت رسول الله فجعل يلوي رأسه أي لست فاعلا.وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا أبو الربيع الزهراني حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن سعيد بن جبير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نزل منزلا لم يرتحل حتى يصلي فيه فلما كانت غزوة تبوك بلغه أن عبدالله ابن أبي بن سلول قال ليخرجن الأعز منها الأذل فارتحل قبل أن ينزل آخر النهار وقيل لعبدالله بن أبي ائت النبي صلى الله عليه وسلم حتى يستغفر لك فأنزل الله تعالى "إذا جاءك المنافقون - إلى قوله - وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم" وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن جبير وقوله إن ذلك كان فى غزوة تبوك فيه نظر بل ليس بجيد فإن عبدالله بن أبي بن سلول لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك بل رجع بطائفة من الجيش وإنما المشهور عند أصحاب المغازي والسير أن ذلك كان في غزوة المريسيع وهي غزوة بني المصطلق وقال يونس بن بكير عن ابن إسحاق حدثني محمد بن يحي بن حبان وعبدالله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة في قصة بني المصطلق فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقيم هناك اقتتل على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري وكان أجيرا لعمر بن الخطاب وسنان بن يزيد قال ابن إسحاق فحدثني محمد بن يحيى بن حبان قال ازدحما على الماء فاقتتلا فقال سنان يا معشر الأنصار وقال الجهجاه يا معشر المهاجرين وزيد بن أرقم ونفر من الأنصار عند عبدالله بن أبي فلما سمعها قال قد ثاورونا في بلادنا والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ثم أقبل على من عنده من قومه وقال هذا ما صنعتم بأنفسكم أحللتموهم بلادكم وقاسمتموهم أموالكم أما والله لو كففتم عنهم لتحولوا عنكم في بلادكم إلى غيرها فسمعها زيد ابن أرقم رضي الله عنه فذهب بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو غليم عنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخبره الخبر فقال عمر رضي الله عنه يا رسول الله مر عباد بن بشر فليضرب عنقه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "فكيف إذا تحدث الناس يا عمر أن محمدا يقتل أصحابه؟ لا ولكن ناد يا عمر الرحيل" فلما بلغ عبدالله بن أبي أن ذلك قد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه فاعتذر إليه وحلف بالله ما قال ما قال عليه زيد بن أرقم وكان عند قومه بمكان فقالوا يا رسول الله عسى أن يكون هذا الغلام أوهم ولم يثبت ما قال الرجل وراح رسول الله صلى الله عليه وسلم مهجرا في ساعة كان لا يروح فيها فلقيه أسيد بن الحضير رضي الله عنه فسلم عليه بتحية النبوة ثم قال والله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "أما بلغك ما قال صاحبك ابن أبي؟ زعم أنه إذا قدم المدينة سيخرج الأعز منها الأذل" قال فأنت يا رسول الله العزيز وهو الذليل ثم قال ارفق به يا رسول الله فوالله لقد جاء الله بك وإنا لننظم له الخرز لنتوجه فإنه ليرى أن قد سلبته ملكا فسار رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس حتى أمسوا وليلته حتى أصبحوا وصدر يومه حتى اشتد الضحى ثم نزل بالناس ليشغلهم عما كان من الحديث فلم يأمن الناس أن وجدوا مس الأرض فناموا ونزلت سورة المنافقين.وقال الحافظ أبو بكر البيهقى أخبرنا أبو عبدالله الحافظ أخبرنا أبو بكر بن إسحاق أخبرنا بشر بن موسى حدثنا الحميدي حدثنا سفيان حدثنا عمر بن دينار سمعت جابر بن عبدالله يقول كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة فكسع رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار فقال الأنصاري يا للأنصار وقال المهاجري يا للمهاجرين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما بال دعوى الجاهلية؟ دعوها فإنها منتنة" وقال عبدالله بن أبي بن سلول وقد فعلوها: والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال جابر وكان الأنصار بالمدينة أكثر من المهاجرين حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم كثر المهاجرون بعد ذلك فقال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم "دعه لا يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه" ورواه الإمام أحمد عن حسن بن محمد المروزي عن سفيان بن عيينة ورواه البخاري عن الحميدي ومسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة وغيره عن سفيان به نحوه وقال الإمام أحمد حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن الحكم عن محمد بن كعب القرظى عن زيد بن أرقم قال كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فقال عبدالله بن أبي لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل قال فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته قال فحلف عبدالله بن أبي أنه لم يكن شيء من ذلك قال فلامني قومي وقالوا ما أردت إلى هذا؟ قال فانطلقت فنمت كئيبا حزينا قال فأرسل إلي نبي الله صلى الله عليه وسلم فقال "إن الله قد أنزل عذرك وصدقك".

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

وقوله- سبحانه-: سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ..تيئيس له صلى الله عليه وسلم من إيمانهم، ومن قبولهم للحق.ولفظ «سواء» اسم مصدر بمعنى الاستواء، والمراد به الفاعل. أى: مستو، ولذلك يوصف به كما يوصف بالمصدر، كما في قوله- تعالى-: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ ... أى: مستوية.أى: إن هؤلاء الراسخين في الكفر والنفاق، قد استوى عندهم استغفارك لهم وعدم استغفارك، فهم لتأصل الجحود فيهم صاروا لا يفرقون بين الحق والباطل، ولا يؤمنون بثواب أو عقاب ... ولذلك فلن يغفر الله- تعالى- لهم مهما حرصت على هدايتهم وصلاحهم.وقوله- سبحانه-: إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ تعليل لانتفاء المغفرة من الله- تعالى- لهم.أى: لن يغفر الله- تعالى- لهم، لأن سنته- سبحانه- قد اقتضت أن لا يهدى إلى طاعته، وأن لا يشمل بمغفرته، من فسق عن أمره، وآثر الباطل على الحق، والكفر على الإيمان، لسوء استعداده، واتباعه لخطوات الشيطان.

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( سواء عليهم أستغفرت لهم ) يا محمد ، ( أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين ) ذكر محمد بن إسحاق وغيره عن جماعة ، من أصحاب السير أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بلغه : أن بني المصطلق يجتمعون لحربه وقائدهم الحارث بن أبي ضرار أبو [ جويرة ] زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فلما سمع بهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل ، فتزاحف الناس واقتتلوا فهزم الله بني المصطلق ، وقتل من قتل منهم ، ونقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبناءهم ونساءهم وأموالهم فأفاءها [ عليهم ] فبينما الناس على ذلك الماء إذ وردت واردة الناس ومع عمر بن الخطاب أجير له من بني غفار ، يقال له جهجاه بن سعيد الغفاري يقود له فرسه فازدحم جهجاه وسنان بن وبرة الجهني ، حليف بني عوف بن الخزرج ، على [ ذلك ] الماء فاقتتلا فصرخ الجهني : يا معشر الأنصار ! وصرخ الغفاري : يا معشر المهاجرين ! وأعان جهجاها الغفاري رجل من المهاجرين يقال له جعال ، وكان فقيرا ، فغضب عبد الله بن أبي ابن سلول وعنده رهط من قومه فيهم زيد بن أرقم ، غلام حديث السن ، فقال ابن أبي : أفعلوها ؟ فقد نافرونا وكاثرونا في بلادنا ، والله ما مثلنا ومثلهم إلا كما قال القائل : سمن كلبك يأكلك ، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل . يعني بالأعز نفسه وبالأذل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم أقبل على من حضره من قومه فقال : هذا ما فعلتم بأنفسكم ، أحللتموهم بلادكم ، وقاسمتموهم أموالكم ، أما والله لو أمسكتم عن جعال وذويه فضل الطعام لم يركبوا رقابكم ، ولتحولوا إلى غير بلادكم ، فلا تنفقوا عليهم حتى ينفضوا من حول محمد ، فقال زيد بن أرقم : أنت - والله - الذليل القليل المبغض في قومك ، محمد - صلى الله عليه وسلم - في عز من الرحمن ومودة من المسلمين ، فقال عبد الله بن أبي : اسكت ، فإنما كنت ألعب . قال : فمشى زيد بن أرقم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ وذلك ] بعد فراغه من الغدو ، فأخبره الخبر ، وعنده عمر بن الخطاب ، فقال : دعني أضرب عنقه يا رسول الله قال : كيف يا عمر إذا تحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه ؟ ولكن أذن بالرحيل . وذلك في ساعة لم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يرتحل فيها فارتحل الناس .وأرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عبد الله بن أبي فأتاه فقال : أنت صاحب هذا الكلام الذي بلغني ؟ فقال عبد الله : والذي أنزل عليك الكتاب ما قلت شيئا من ذلك ، وإن زيدا لكاذب ، وكان عبد الله في قومه شريفا عظيما ، فقال من حضر من الأنصار من أصحابه : يا رسول الله عسى أن يكون الغلام أوهم في حديثه ولم يحفظ ما قاله . فعذره النبي - صلى الله عليه وسلم - وفشت الملامة في الأنصار لزيد ، وكذبوه ، وقال له عمه [ وكان زيد معه ] ما أردت إلى أن كذبك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والناس مقتوك ، وكان زيد يساير النبي - صلى الله عليه وسلم - فاستحيا بعد ذلك أن يدنو من النبي - صلى الله عليه وسلم - .فلما استقل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسار لقيه أسيد بن حضير فحياه بتحية النبوة وسلم عليه ، ثم قال : يا رسول الله لقد رحت في ساعة منكرة ما كنت تروح فيها .فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أوما بلغك ما قال صاحبكم عبد الله بن أبي ؟ قال : وما قال ؟ قال : زعم إن رجع إلى المدينة أخرج الأعز منها الأذل . فقال أسيد : فأنت والله يا رسول الله تخرجه إن شئت ، هو والله الذليل وأنت العزيز ، ثم قال : يا رسول الله ارفق به فوالله لقد جاء الله بك ، وإن قومه لينظمون له الخرز ليتوجوه فإنه ليرى أنك قد استلبته ملكا .وبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه فأتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقال : يا رسول الله إنه بلغني أنك تريد قتلعبد الله بن أبي ، لما بلغك عنه ، فإن كنت فاعلا فمرني به ، فأنا أحمل إليك رأسه ، فوالله لقد علمت الخزرج ما كان بها رجل أبر بوالديه مني ، وإني أخشى أن تأمر به غيري فيقتله ، فلا تدعني نفسي أن أنظر إلى قاتل عبد الله بن أبي يمشي في الناس فأقتله ، فأقتل مؤمنا بكافر ، فأدخل النار .فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : بل نرفق به ونحسن صحبته ما بقي معنا .قالوا : وسار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومهم ذلك حتى أمسى ، وليلتهم حتى أصبح ، وصدر يومهم ذلك حتى آذتهم الشمس ، [ ثم نزل بالناس ] فلم يكن إلا أن وجدوا مس الأرض فوقعوا نياما . وإنما فعل ذلك ليشغل الناس عن الحديث الذي كان بالأمس من حديث عبد الله بن أبي .ثم راح بالناس حتى نزل [ على ماء ب ] الحجاز فويق النقيع ، يقال له نقعا فهاجت ريح شديدة آذتهم وتخوفوها وضلت ناقة النبي - صلى الله عليه وسلم - وذلك ليلا فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لا تخافوا فإنما هبت لموت عظيم من عظماء الكفار توفي بالمدينة ، قيل : من هو ، قال : رفاعة بن زيد بن التابوت ، فقال رجل من المنافقين : كيف يزعم أنه يعلم الغيب ولا يعلم مكان ناقته ؟ ألا يخبره الذي يأتيه بالوحي ! فأتاه جبريل فأخبره بقول المنافق وبمكان الناقة ، وأخبر بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أصحابه ، وقال : ما أزعم أني أعلم الغيب وما أعلمه ، ولكن الله أخبرني بقول المنافق وبمكان ناقتي ، هي في الشعب قد تعلق زمامها بشجرة فخرجوا يسعون قبل الشعب فإذا هي كما قال ، فجاءوا بها وآمن ذلك المنافق .فلما قدموا المدينة وجدوا رفاعة بن زيد بن التابوت قد مات ذلك اليوم ، وكان من عظماء اليهود وكهفا للمنافقين ، فلما وافى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة ، قال زيد بن أرقم : جلست في البيت لما بي من الهم والحياء ، فأنزل الله تعالى سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله . فلما نزلت أخذ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأذن زيد وقال : " يا زيد إن الله صدقك وأوفى بأذنك " .وكان عبد الله بن أبي بقرب المدينة ، فلما أراد أن يدخلها جاءه ابنه عبد الله بن عبد الله حتى أناخ على مجامع طرق المدينة ، فلما جاء عبد الله بن أبي قال : [ وراءك ، قال : ] مالك ويلك ؟ قال : لا والله لا تدخلها أبدا إلا بإذن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولتعلمن اليوم من الأعز من الأذل ، فشكا عبد الله إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما صنع ابنه ، فأرسل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن خل عنه حتى يدخل ، فقال : أما إذا جاء أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنعم ، فدخل فلم يلبث إلا أياما قلائل حتى اشتكى ومات .قالوا : فلما نزلت الآية وبان كذب عبد الله بن أبي قيل له : يا أبا حباب إنه قد نزل فيك آي شداد فاذهب إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يستغفر لك ، فلوى رأسه ثم قال : أمرتموني أن أؤمن فآمنت ، وأمرتموني أن أعطي زكاة مالي فقد أعطيت فما بقي إلا أن أسجد لمحمد فأنزل الله تعالى : " وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رءوسهم " الآية .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : سواء عليهم أأستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقينقوله تعالى : سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم يعني كل ذلك سواء ، لا ينفع استغفارك شيئا ; لأن الله لا يغفر لهم . نظيره : " سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون " سواء علينا أوعظت أم لم تكن من الواعظين . وقد تقدم .إن الله لا يهدي القوم الفاسقين أي من سبق في علم الله أنه يموت فاسقا .
ex