سورة الحج : الآية 5

تفسير الآية 5 سورة الحج

يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ إِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّنَ ٱلْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَٰكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِن مُّضْغَةٍ مُّخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ ۚ وَنُقِرُّ فِى ٱلْأَرْحَامِ مَا نَشَآءُ إِلَىٰٓ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوٓا۟ أَشُدَّكُمْ ۖ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ وَمِنكُم مَّن يُرَدُّ إِلَىٰٓ أَرْذَلِ ٱلْعُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنۢ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْـًٔا ۚ وَتَرَى ٱلْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا ٱلْمَآءَ ٱهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنۢبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍۭ بَهِيجٍ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

يا أيها الناس إن كنتم في شك من أن الله يُحيي الموتى فإنَّا خلقنا أباكم آدم من تراب، ثم تناسلت ذريته من نطفة، هي المنيُّ يقذفه الرجل في رحم المرأة، فيتحول بقدرة الله إلى علقة، وهي الدم الأحمر الغليظ، ثم إلى مضغة، وهي قطعة لحم صغيرة قَدْر ما يُمْضَغ، فتكون تارة مخلَّقة، أي تامة الخلق تنتهي إلى خروح الجنين حيًا، وغير تامة الخلق تارة أخرى، فتسقط لغير تمام؛ لنبيِّن لكم تمام قدرتنا بتصريف أطوار الخلق، ونبقي في الأرحام ما نشاء، وهو المخلَّق إلى وقت ولادته، وتكتمل الأطوار بولادة الأجنَّة أطفالا صغارًا تكبَرُ حتى تبلغ الأشد، وهو وقت الشباب والقوة واكتمال العقل، وبعض الأطفال قد يموت قبل ذلك، وبعضهم يكبَرُ حتى يبلغ سن الهرم وضَعْف العقل؛ فلا يعلم هذا المعمَّر شيئًا مما كان يعلمه قبل ذلك. وترى الأرض يابسةً ميتة لا نبات فيها، فإذا أنزلنا عليها الماء تحركت بالنبات تتفتح عنه، وارتفعت وزادت لارتوائها، وأنبتت من كل نوع من أنواع النبات الحسن الذي يَسُرُّ الناظرين.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«يا أيها الناس» أي أهل مكة «إن كنتم في ريب» شك «من البعث فإنا خلقناكم» أي أصلكم آدم «من تراب ثم» خلقنا ذريته «من نطفة» منيّ «ثم من علقة» وهي الدم الجامد «ثم من مضغة» وهي لحمة قدر ما يمضغ «مخلقة» مصورة تامة الخلق «وغير مخلقة» أي غير تامة الخلق «لنبين لكم» كمال قدرتنا لتستدلوا بها في ابتداء الخلق على إعادته «ونُقرُّ» مستأنف «في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى» وقت خروجه «ثم نخرجكم» من بطون أمهاتكم «طفلا» بمعنى أطفالا «ثم» نعمركم «لتبلغوا أشدكم» أي الكمال والقوة وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين سنة «ومنكم من يُتوفى» يموت قبل بلوغ الأشد «ومنكم من يرد إلى أرذل العمر» أخسه من الهرم والخرف «لكيلا يعلم من بعد علم شيئا» قال عكرمة من قرأ القرآن لم يصر بهذه الحالة «وترى الأرض هامدة» يابسة «فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت» تحركت «وَرَبَتْ» ارتفعت وزادت «وأنبتت من» زائدة «كلّ زوج» صنف «بهيج» حسن.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

يقول تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ أي: شك واشتباه، وعدم علم بوقوعه، مع أن الواجب عليكم أن تصدقوا ربكم، وتصدقوا رسله في ذلك، ولكن إذا أبيتم إلا الريب، فهاكم دليلين عقليين تشاهدونهما، كل واحد منهما، يدل دلالة قطعية على ما شككتم فيه، ويزيل عن قلوبكم الريب.أحدهما: الاستدلال بابتداء خلق الإنسان، وأن الذي ابتدأه سيعيده، فقال فيه: فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ وذلك بخلق أبي البشر آدم عليه السلام، ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ أي: مني، وهذا ابتداء أول التخليق، ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ أي: تنقلب تلك النطفة، بإذن الله دما أحمر، ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ أي: ينتقل الدم مضغة، أي: قطعة لحم، بقدر ما يمضغ، وتلك المضغة تارة تكون مُخَلَّقَةٍ أي: مصور منها خلق الآدمي، وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ تارة، بأن تقذفها الأرحام قبل تخليقها، لِنُبَيِّنَ لَكُمْ أصل نشأتكم، مع قدرته تعالى، على تكميل خلقه في لحظة واحدة، ولكن ليبين لنا كمال حكمته، وعظيم قدرته، وسعة رحمته. وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى أي : ونقر، أي: نبقي في الأرحام من الحمل، الذي لم تقذفه الأرحام، ما نشاء إبقاءه إلى أجل مسمى، وهو مدة الحمل. ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ من بطون أمهاتكم طِفْلًا لا تعلمون شيئا، وليس لكم قدرة، وسخرنا لكم الأمهات، وأجرينا لكم في ثديها الرزق، ثم تنتقلون طورا بعد طور، حتى تبلغوا أشدكم، وهو كمال القوة والعقل. وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى من قبل أن يبلغ سن الأشد، ومنكم من يتجاوزه فيرد إلى أرذل العمر، أي: أخسه وأرذله، وهو سن الهرم والتخريف، الذي به يزول العقل، ويضمحل، كما زالت باقي القوة، وضعفت. لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا أي: لأجل أن لا يعلم هذا المعمر شيئا مما كان يعلمه قبل ذلك، وذلك لضعف عقله، فقوة الآدمي محفوفة بضعفين، ضعف الطفولية ونقصها، وضعف الهرم ونقصه، كما قال تعالى: اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ والدليل الثاني، إحياء الأرض بعد موتها، فقال الله فيه: وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً أي: خاشعة مغبرة لا نبات فيها، ولا خضر، فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ أي: تحركت بالنبات وَرَبَتْ أي: ارتفعت بعد خشوعها وذلك لزيادة نباتها، وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ أي: صنف من أصناف النبات بَهِيجٍ أي: يبهج الناظرين، ويسر المتأملين، فهذان الدليلان القاطعان، يدلان على هذه المطالب الخمسة، وهي هذه.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

لما ذكر تعالى المخالف للبعث ، المنكر للمعاد ، ذكر تعالى الدليل على قدرته تعالى على المعاد ، بما يشاهد من بدئه للخلق ، فقال : ( يا أيها الناس إن كنتم في ريب ) أي : في شك ( من البعث ) وهو المعاد وقيام الأرواح والأجساد يوم القيامة ( فإنا خلقناكم من تراب ) أي : أصل برئه لكم من تراب ، وهو الذي خلق منه آدم ، عليه السلام ( ثم من نطفة ) أي : ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين ، ( ثم من علقة ثم من مضغة ) ذلك أنه إذا استقرت النطفة في رحم المرأة ، مكثت أربعين يوما كذلك ، يضاف إليه ما يجتمع إليها ، ثم تنقلب علقة حمراء بإذن الله ، فتمكث كذلك أربعين يوما ، ثم تستحيل فتصير مضغة - قطعة من لحم لا شكل فيها ولا تخطيط - ثم يشرع في التشكيل والتخطيط ، فيصور منها رأس ويدان ، وصدر وبطن ، وفخذان ورجلان ، وسائر الأعضاء . فتارة تسقطها المرأة قبل التشكيل والتخطيط ، وتارة تلقيها وقد صارت ذات شكل وتخطيط; ولهذا قال تعالى : ( ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ) أي : كما تشاهدونها ، ( لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ) أي : وتارة تستقر في الرحم لا تلقيها المرأة ولا تسقطها ، كما قال مجاهد في قوله تعالى : ( مخلقة وغير مخلقة ) قال : هو السقط مخلوق وغير مخلوق . فإذا مضى عليها أربعون يوما ، وهي مضغة ، أرسل الله تعالى إليها ملكا فنفخ فيها الروح ، وسواها كما يشاء الله عز وجل ، من حسن وقبيح ، وذكر وأنثى ، وكتب رزقها وأجلها ، وشقي أو سعيد ، كما ثبت في الصحيحين ، من حديث الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن ابن مسعود قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق - : " إن خلق أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين ليلة ، ثم يكون علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يبعث الله إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات : بكتب عمله وأجله ورزقه ، وشقي أو سعيد ، ثم ينفخ فيه الروح " .وروى ابن جرير ، وابن أبي حاتم من حديث داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : النطفة إذا استقرت في الرحم ، ‌‌‌‌‌‌‌‌‌‌أخذها ملك بكفه قال : يا رب ، مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قيل : " غير مخلقة " لم تكن نسمة ، وقذفتها الأرحام دما . وإن قيل : " مخلقة " ، قال : أي رب ، ذكر أو أنثى؟ شقي أو سعيد؟ ما الأجل؟ وما الأثر؟ وبأي أرض يموت ؟ قال : فيقال للنطفة : من ربك؟ فتقول : الله . فيقال : من رازقك؟ فتقول : الله . فيقال له : اذهب إلى أم الكتاب ، فإنك ستجد فيه قصة هذه النطفة . قال : فتخلق فتعيش في أجلها ، وتأكل رزقها ، وتطأ أثرها ، حتى إذا جاء أجلها ماتت ، فدفنت في ذلك المكان ، ثم تلا عامر الشعبي : ( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة ) فإذا بلغت مضغة نكست في الخلق الرابع فكانت نسمة ، فإن كانت غير مخلقة قذفتها الأرحام دما ، وإن كانت مخلقة نكست في الخلق .وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقرئ ، حدثنا سفيان ، عن عمرو بن دينار ، عن أبي الطفيل ، عن حذيفة بن أسيد - يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم - قال : " يدخل الملك على النطفة بعد ما تستقر في الرحم بأربعين أو خمس وأربعين ، فيقول : أي رب ، أشقي أم سعيد؟ فيقول الله ، ويكتبان ، فيقول : أذكر أم أنثى؟ فيقول الله ويكتبان ، ويكتب عمله وأثره ورزقه وأجله ، ثم تطوى الصحف ، فلا يزاد على ما فيها ولا ينتقص .ورواه مسلم من حديث سفيان بن عيينة ، ومن طرق أخر ، عن أبي الطفيل ، بنحو معناه .وقوله : ( ثم نخرجكم طفلا ) أي : ضعيفا في بدنه ، وسمعه وبصره وحواسه ، وبطشه وعقله . ثم يعطيه الله القوة شيئا فشيئا ، ويلطف به ، ويحنن عليه والدية في آناء الليل وأطراف النهار; ولهذا قال : ( ثم لتبلغوا أشدكم ) أي : يتكامل القوى ويتزايد ، ويصل إلى عنفوان الشباب وحسن المنظر .( ومنكم من يتوفى ) ، أي : في حال شبابه وقواه ، ( ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ) ، وهو الشيخوخة والهرم وضعف القوة والعقل والفهم ، وتناقص الأحوال من الخرف وضعف الفكر; ولهذا قال : ( لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ) ، كما قال تعالى : ( الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ) [ الروم : 54 ] .وقد قال الحافظ أبو يعلى [ أحمد ] بن علي بن المثنى الموصلي في مسنده : حدثنا منصور بن أبي مزاحم ، حدثنا خالد الزيات ، حدثني داود أبو سليمان ، عن عبد الله بن عبد الرحمن بن معمر بن حزم الأنصاري ، عن أنس بن مالك - رفع الحديث - قال : " المولود حتى يبلغ الحنث ، ما عمل من حسنة ، كتبت لوالده أو لوالدته وما عمل من سيئة لم تكتب عليه ولا على والديه ، فإذا بلغ الحنث جرى الله عليه القلم أمر الملكان اللذان معه أن يحفظا وأن يشددا ، فإذا بلغ أربعين سنة في الإسلام أمنه الله من البلايا الثلاث : الجنون ، والجذام ، والبرص . فإذا بلغ الخمسين ، خفف الله حسابه . فإذا بلغ ستين رزقه الله الإنابة إليه بما يحب ، فإذا بلغ السبعين أحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين كتب الله حسناته وتجاوز عن سيئاته ، فإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وشفعه في أهل بيته ، وكان أسير الله في أرضه ، فإذا بلغ أرذل العمر ( لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ) كتب الله له مثل ما كان يعمل في صحته من الخير ، فإذا عمل سيئة لم تكتب عليه " .هذا حديث غريب جدا ، وفيه نكارة شديدة . ومع هذا قد رواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده مرفوعا وموقوفا فقال :حدثنا أبو النضر ، حدثنا الفرج ، حدثنا محمد بن عامر ، عن محمد بن عبد الله العامري ، عن عمرو بن جعفر ، عن أنس قال : إذا بلغ الرجل المسلم أربعين سنة ، أمنه الله من أنواع البلايا ، من الجنون والجذام والبرص ، فإذا بلغ الخمسين لين الله حسابه ، وإذا بلغ الستين رزقه الله إنابة يحبه عليها ، وإذا بلغ السبعين أحبه الله ، وأحبه أهل السماء ، وإذا بلغ الثمانين تقبل الله حسناته ، ومحا عنه سيئاته ، وإذا بلغ التسعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وسمي أسير الله في الأرض ، وشفع في أهله .ثم قال : حدثنا هاشم ، حدثنا الفرج ، حدثني محمد بن عبد الله العامري ، عن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ، عن عبد الله بن عمر بن الخطاب ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مثله .ورواه الإمام أحمد أيضا : حدثنا أنس بن عياض ، حدثني يوسف بن أبي ذرة الأنصاري ، عن جعفر بن عمرو بن أمية الضمري ، عن أنس بن مالك; أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ما من معمر يعمر في الإسلام أربعين سنة ، إلا صرف الله عنه ثلاثة أنواع من البلاء : الجنون والجذام والبرص . . . . . وذكر تمام الحديث ، كما تقدم سواء .ورواه الحافظ أبو بكر البزار ، عن عبد الله بن شبيب ، عن أبي شيبة ، عن عبد الله بن عبد الملك ، عن أبي قتادة العذري ، عن ابن أخي الزهري ، عن عمه ، عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما من عبد يعمر في الإسلام أربعين سنة ، إلا صرف الله عنه أنواعا من البلاء : الجنون والجذام والبرص ، فإذا بلغ خمسين سنة لين الله له الحساب ، فإذا بلغ ستين سنة رزقه الله الإنابة إليه بما يحب ، فإذا بلغ سبعين غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وسمي أسير الله ، وأحبه أهل السماء ، فإذا بلغ الثمانين تقبل الله منه حسناته وتجاوز عن سيئاته ، فإذا بلغ التسعين غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وسمي أسير الله في أرضه ، وشفع في أهل بيته " .وقوله : ( وترى الأرض هامدة ) : هذا دليل آخر على قدرته تعالى على إحياء الموتى ، كما يحيي الأرض الميتة الهامدة ، وهي القحلة التي لا نبت فيها ولا شيء .وقال قتادة : غبراء متهشمة . وقال السدي : ميتة .( فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيج ) أي : فإذا أنزل الله عليها المطر ) اهتزت ) أي : تحركت وحييت بعد موتها ، ( وربت ) أي : ارتفعت لما سكن فيها الثرى ، ثم أنبتت ما فيها من الألوان والفنون ، من ثمار وزروع ، وأشتات النباتات في اختلاف ألوانها وطعومها ، وروائحها وأشكالها ومنافعها; ولهذا قال تعالى : ( وأنبتت من كل زوج بهيج ) أي : حسن المنظر طيب الريح .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

قال أبو حيان في البحر: لما ذكر- سبحانه- من يجادل في قدرة الله بغير علم، وكان جدالهم في الحشر والمعاد، ذكر دليلين واضحين على ذلك. أحدهما: في نفس الإنسان وابتداء خلقه. وتطوره في أطوار سبعة، وهي: التراب، والنطفة، والعلقة، والمضغة، والإخراج طفلا، وبلوغ الأشد، والتوفي أو الرد إلى أرذل العمر.والدليل الثاني: في الأرض التي يشاهد تنقلها من حال إلى حال فإذا اعتبر العاقل ذلك ثبت عنده جوازه عقلا، فإذا ورد الشرع بوقوعه، وجب التصديق به، وأنه واقع لا محالة .والمراد بالناس هنا: المشركون وكل من كان على شاكلتهم في إنكار أمر البعث واستبعاده، لأن المؤمنين يعترفون بأن البعث حق، وأنه واقع بلا أدنى شك أو ريب.والمعنى: يا أيها الناس إن كنتم في شك من أمر إعادتكم الى الحياة مرة أخرى للحساب يوم القيامة، فانظروا وتفكروا في مبدأ خلقكم، فإن هذا التفكر من شأنه أن يزيل هذا الشك، لأن الذي أوجدكم الإيجاد الأول. وخلقكم من التراب، قادر على إعادتكم إلى الحياة مرة أخرى، إذ الإعادة- كما يعرف كل عاقل- أيسر من ابتداء الفعل.وقد قرب- سبحانه- هذا المعنى في أذهانكم في آيات كثيرة، منها قوله- تعالى-:وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ، وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ .وأتى- سبحانه- بأن المفيدة للشك فقال: إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ مع أن كونهم في ريب أمر محقق تنزيلا للمحقق منزلة المشكوك فيه، وتنزيها لموضوع البعث عن أن يتحقق الشك فيه من أى عاقل، وتوبيخا لهم لوضعهم الأمور في غير مواضعها.ووجه الإتيان بفي الدالة على الظرفية، للإشارة إلى أنهم قد امتلكهم الريب وأحاط بهم إحاطة الظرف بالمظروف.قال الآلوسى: «وقوله فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ دليل جواب الشرط، أو هو الجواب بتأويل، أى: إن كنتم في ريب من البعث، فانظروا إلى مبدأ خلقكم ليزول ريبكم، فإنا خلقناكم من تراب، وخلقهم من تراب في ضمن خلق أبيهم آدم منه ... » .وقال بعض العلماء ما ملخصه: والتحقيق في معنى قوله- تعالى- فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ : أنه- سبحانه- خلق أباهم آدم منه، ثم خلق من آدم زوجه حواء، ثم خلق الناس منهما عن طريق التناسل.فلما كان أصلهم الأول من تراب، أطلق عليهم أنه خلقهم من تراب لأن الفروع تتبع الأصل. وعلى ذلك يكون خلقهم من تراب هو الطور الأول..» .ثم بين- سبحانه- الطور الثاني من أطوار خلق الإنسان فقال: ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ وهذا اللفظ مأخوذ من النطف- بفتح النون مع التشديد وإسكان الطاء- بمعنى السيلان والتقاطر.يقال: نطفت القربة، إذا تقاطر الماء منها بقلة.والنطفة تطلق في اللغة: على الماء القليل، والمراد بها هنا: الماء المختلط من الرجل والمرأة عند الجماع، والمعبر عنه بالمنى.وقوله ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ هو الطور الثالث. والعلقة جمعها علق، وهي قطعة من الدم جامدة، تتحول إليها النطفة.وقوله ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ هو الطور الرابع، والمضغة قطعة صغيرة من اللحم تتحول إليها العلقة.وقوله- سبحانه- مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ صفة للمضغة.والمراد بالمخلقة: التامة الخلقة، السالمة من العيوب، والمراد بغير المخلقة: ما ليست كذلك كأن تكون ناقصة الخلقة.وقد اكتفى بهذا المعنى صاحب الكشاف فقال: «والمخلقة» المستواة الملساء من النقصان والعيب: يقال: خلق السواك والعود، إذا سواه وملسه، من قولهم: صخرة خلقاء، إذا كانت ملساء. كأن الله- تعالى- يخلق المضغ متفاوتة. منها. ما هو كامل الخلقة أملس من العيوب، ومنها ما هو على عكس ذلك، فيتبع ذلك التفاوت، تفاوت الناس في خلقهم وصورهم وطولهم وقصرهم وتمامهم ونقصانهم ... » .وقيل: «مخلقة» أى: مستبينة الخلق، ظاهرة التصوير. «وغير مخلقة» أى: لم يستبن خلقها ولا ظهر تصويرها كالسقط الذي هو مضغة ولم تظهر صورته الإنسانية بعد.وقيل: «مخلقة» أى: نفخ فيها الروح. «وغير مخلقة» أى: لم ينفخ فيها الروح.ويبدو لنا أن ما ذهب إليه صاحب الكشاف واكتفى به أولى بالقبول، لأنه هو المشهور من كلام العرب. فهم يقولون: حجر أخلق أى: أملس مصمت لا يؤثر فيه شيء، وصخرة خلقاء، أى: ليس بها تشويه أو كسر.وقوله- تعالى-: لِنُبَيِّنَ لَكُمْ متعلق بقوله: خَلَقْناكُمْ أى: خلقناكم على هذا النحو العجيب، وفي تلك الأطوار البديعة. لنبين لكم كمال قدرتنا، وبليغ حكمتنا. وأننا لا يعجزنا إعادة كل حي إلى الحياة بعد موته.وحذف مفعول «نبين» للإشعار بأن أفعاله- تعالى- الدالة على كمال قدرته، لا يحيط بها وصف، ولا تمدها عبارة..أى: لنبين لكم عن طريق المشاهدة، ما يدل على كمال قدرتنا دلالة يعجز الوصف عن الإحاطة بها.وقوله- تعالى-: وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى كلام مستأنف مسوق لبيان أحوال الناس بعد تمام خلقهم، وتوارد تلك الأطوار عليهم.أى: ونقر ونثبت في أرحام الأمهات ما نشاء إقراره وثبوته فيها من الأجنة والأحمال، إلى أجل معلوم عندنا. وهو الوقت المحدد للولادة والوضع، وما لم نشأ إقراره من الحمل لفظته الأرحام وأسقطته، إذ كل شيء بمشيئتنا وإرادتنا.وقوله- تعالى-: ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا بيان للطور الخامس من أطوار خلق الإنسان.أى: ثم نخرجكم من أرحام أمهاتكم بعد استقراركم فيها إلى الوقت الذي حددناه، طفلا صغيرا. أى: أطفالا صغارا، وإنما جاء مفردا باعتبار إرادة الجنس الشامل للواحد والمتعدد، أو باعتبار كل واحد منهم، وهو حال من ضمير المخاطبين.ومن الأساليب العربية المعهودة، أن الاسم المفرد إذا كان اسم جنس. يكثر إطلاقه على الجمع، ومن ذلك قوله- تعالى-: وَاجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماماً أى: أئمة. وقوله- سبحانه- فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْساً.. أى: أنفسا، ومن هذا القبيل قول الشاعر:وكان بنو فزارة شرّ عمّ ... فكنت لهم كشر بنى الأخيناأى: شر أعمام.وقوله- تعالى- ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ بيان للطور السادس، والأشد: قوة الإنسان وشدته واشتعال حرارته، من الشدة بمعنى الارتفاع والقوة، يقال: شد النهار إذا ارتفع، وهو مفرد جاء بصيغة الجمع، أو جمع لا واحد له، أو جمع شدة- كأنعم ونعمة-.قال الآلوسى: «والجملة علة لنخرجكم، وهي معطوفة على علة أخرى مناسبة لها.كأنه قيل: ثم نخرجكم لتكبروا شيئا فشيئا ثم لتبلغوا أشدكم، أى كمالكم في القوة والعقل والتمييز.. وقيل: علة لمحذوف. والتقدير: ثم نمهلكم لتبلغوا أشدكم ...وتقديم التبيين «لنبين لكم» على ما بعده، مع أن حصوله بالفعل بعد الكل، للإيذان بأنه غاية الغايات ومقصود بالذات.وإعادة اللام في «لتبلغوا» مع تجريد «نقر، ونخرج» عنها، للإشعار بأصالة البلوغ بالنسبة إلى الإقرار والإخراج إذ عليه يدور التكليف المؤدى إلى السعادة والشقاوة» .وقوله- سبحانه-: وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً بيان للطور السابع والأخير.أى: منكم- أيها الناس- من يبلغ أشده في هذه الحياة، ومنكم من يموت قبل ذلك، ومنكم من يعيش إلى أرذل العمر أى: أخسه وأدونه، فيصير من بعد علمه بالأشياء وفهمه لها، لا علم له ولا فهم، شأنه في ذلك شأن الأطفال.قال- تعالى-: لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ثُمَّ رَدَدْناهُ أَسْفَلَ سافِلِينَ فالآية الكريمة تصور أطوار خلق الإنسان ومراحل حياته أكمل تصوير، للتنبيه على مظاهر قدرة الله- تعالى- وعلى أن البعث حق وصدق.وبعد إقامة هذا الدليل من نفس الإنسان وتطور خلقه على صحة البعث، ساق- سبحانه- الدليل الثاني عن طريق مشاهدة الأرض وتنقلها من حال إلى حال، فقال- تعالى- وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ.وقوله: هامِدَةً أى: يابسة، يقال: همدت الأرض تهمد- بضم الميم- همودا، إذا يبست.ومعنى: «اهتزت» : تحركت، يقال: هز فلان الشيء فاهتز، إذا حركه فتحرك.ومعنى: «ربت» زادت بسبب تداخل الماء والنبات فيها، يقال: ربا الشيء يربو ربوا، إذا زاد ونما، ومنه الربا والربوة.أى: وترى- أيها العاقل- ببصرك الأرض يابسة لا نبات فيها، فإذا ما أنزلنا عليها بقدرتنا الماء، تحركت بسبب خروج النبات منها، وانتفخت بسبب ما يتخللها من الماء والنبات، وأنبتت بعد ذلك من كل صنف بهيج نضر حسن المنظر.وشبيه بهذه الآية في أن إحياء الأرض بعد موتها دليل على إحياء الناس بعد موتهم، بقدرة الله- تعالى- وإرادته، قوله- عز وجل-: وَمِنْ آياتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خاشِعَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ، إِنَّ الَّذِي أَحْياها لَمُحْيِ الْمَوْتى إِنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( يا أيها الناس إن كنتم في ريب ) في شك ( من البعث فإنا خلقناكم ) يعني أباكم آدم الذي هو أصل النسل ( من تراب ثم من نطفة ) يعني ذريته والنطفة هي المني وأصلها الماء القليل وجمعها نطاف ( ثم من علقة ) وهي الدم الغليظ المتجمد وجمعها علق وذلك أن النطفة تصير دما غليظا ثم تصير لحما ( ثم من مضغة ) وهي لحمة قليلة قدر ما يمضغ ( مخلقة وغير مخلقة )قال ابن عباس وقتادة : " مخلقة " أي تامة الخلق " وغير مخلقة " غير تامة أي ناقصة الخلق .وقال مجاهد : مصورة وغير مصورة يعني السقطوقيل " المخلقة " الولد الذي تأتي به المرأة لوقته " وغير المخلقة " السقط .روي عن علقمة عن عبد الله بن مسعود قال إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه وقال أي رب مخلقة أو غير مخلقة؟ فإن قال غير مخلقة قذفها الرحم دما ولم تكن نسمة وإن قال مخلقة قال الملك : أي رب أذكر أم أنثى أشقي أم سعيد؟ ما الأجل ما العمل ما الرزق وبأي أرض يموت؟ فيقال له اذهب إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها كل ذلك فيذهب فيجدها في أم الكتاب فينسخها فلا يزال معه حتى يأتي على آخر صفته .( لنبين لكم ) كمال قدرتنا وحكمتنا في تصريف أطوار خلقكم ولتستدلوا بقدرته في ابتداء الخلق على قدرته على الإعادةوقيل لنبين لكم ما تأتون وما تذ‌رون وما تحتاجون إليه في العبادة( ونقر في الأرحام ما نشاء ) فلا تمجه ولا تسقطه ( إلى أجل مسمى ) وقت خروجها من الرحم تامة الخلق والمدة ( ثم نخرجكم ) من بطون أمهاتكم ( طفلا ) أي صغارا ولم يقل أطفالا لأن العرب تذكر الجمع باسم الواحد وقيل تشبيها بالمصدر مثل عدل وزور ( ثم لتبلغوا أشدكم ) يعني الكمال والقوة( ومنكم من يتوفى ) من قبل بلوغ الكبر ( ومنكم من يرد إلى أرذل العمر ) أي الهرم والخرف ، ( لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ) أي يبلغ من السن ما يتغير عقله فلا يعقل شيئاثم ذكر دليلا آخر على البعث فقال ( وترى الأرض هامدة ) أي يابسة لا نبات فيها ( فإذا أنزلنا عليها الماء ) المطر ، ( اهتزت ) تحركت بالنبات وذلك أن الأرض ترتفع بالنبات فذلك تحركها ( وربت ) أي ارتفعت وزادت ، وقيل فيه تقديم وتأخير معناه ربت واهتزت وربا نباتها فحذف المضاف والاهتزاز في النبات أظهر ، يقال اهتز النبات أي : طال وإنما أنث لذكر الأرض وقرأ أبو جعفر : " وربأت " بالهمزة وكذلك في " حم السجدة " أي ارتفعت وعلت( وأنبتت من كل زوج بهيج ) أي صنف حسن يبهج به من رآه أي : يسر فهذا دليل آخر على البعث

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : ياأيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا وترى الأرض هامدة فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت وأنبتت من كل زوج بهيجقوله تعالى : يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث إلى قوله : مسمىفيه اثنتا عشرة مسألة :الأولى : قوله تعالى : إن كنتم في ريب من البعث هذا احتجاج على العالم بالبداءة الأولى . وقوله : إن كنتم في ريب متضمنة التوقيف . وقرأ الحسن بن أبي الحسن ( البعث ) بفتح العين ؛ وهي لغة في ( البعث ) عند البصريين . وهي عند الكوفيين بتخفيف ( بعث ) . والمعنى : يا أيها الناس إن كنتم في شك من الإعادة . فإنا خلقناكم أي خلقنا أباكم الذي هو أصل البشر ، يعني آدم - عليه السلام - ( من تراب ) . ( ثم ) خلقنا ذريته . ( من نطفة ) وهو المني ؛ سمي نطفة لقلته ، وهو القليل من الماء ، وقد يقع على الكثير منه ؛ ومنه الحديث حتى يسير الراكب بين النطفتين لا يخشى جورا . أراد بحر المشرق وبحر المغرب . والنطف : القطر . نطف ينطف وينطف . وليلة نطوفة دائمة القطر . ( ثم من علقة ) وهو الدم الجامد . والعلق الدم العبيط ، أي الطري . وقيل : الشديد الحمرة . ( ثم من مضغة ) وهي لحمة قليلة قدر ما يمضغ ؛ ومنه الحديث ألا وإن في الجسد مضغة . وهذه الأطوار أربعة أشهر . قال ابن عباس : وفي العشر بعد الأشهر الأربعة ينفخ فيه الروح ، فذلك عدة المتوفى عنها زوجها ؛ أربعة أشهر وعشر .الثانية : روى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة ، حدثنا داود ، عن عامر ، عن علقمة ، عن ابن مسعود ، وعن ابن عمر أن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه فقال : يا رب ، ذكر أم أنثى ، شقي أم سعيد ، ما الأجل والأثر ، بأي أرض تموت ؟ فيقال له انطلق إلى أم الكتاب فإنك تجد فيها قصة هذه النطفة ، فينطلق فيجد قصتها في أم الكتاب ، فتخلق فتأكل رزقها وتطأ أثرها فإذا جاء أجلها قبضت فدفنت في المكان الذي قدر لها ؛ ثم قرأ عامر يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب . وفي الصحيح عن أنس بن مالك - ورفع الحديث - قال : إن الله قد وكل بالرحم ملكا فيقول : أي رب ، نطفة . أي رب ، علقة . أي رب ، مضغة . فإذا أراد الله أن يقضي خلقا ، قال : قال الملك : أي رب ، ذكر ، أو أنثى ، شقي ، أو سعيد . فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه . وفي الصحيح أيضا عن حذيفة بن أسيد الغفاري قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا مر بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكا فصورها ، وخلق سمعها ، وبصرها ، وجلدها ، ولحمها ، وعظامها ، ثم يقول : أي رب ، أذكر ، أم أنثى . . . وذكر الحديث . وفي الصحيح عن عبد الله بن مسعود ، قال : حدثنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو الصادق المصدوق : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك ، ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ، ويؤمر بأربع كلمات : بكتب رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي ، أو سعيد . . . الحديث . فهذا الحديث مفسر للأحاديث الأول ؛ فإنه فيه : يجمع أحدكم في بطن أمه أربعين يوما نطفة ، ثم أربعين يوما علقة ، ثم أربعين يوما مضغة ، ثم يبعث الملك ، فينفخ فيه الروح ، فهذه أربعة أشهر ، وفي العشر ينفخ الملك الروح ، وهذه عدة المتوفى عنها زوجها كما قال ابن عباس . وقوله : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه قد فسره ابن مسعود ، سئل الأعمش : ما يجمع في بطن أمه ؟ فقال : حدثنا خيثمة ، قال : قال عبد الله : إذا وقعت النطفة في الرحم ، فأراد أن يخلق منها بشرا طارت في بشرة المرأة تحت كل ظفر وشعر ، ثم تمكث أربعين يوما ، ثم تصير دما في الرحم ؛ فذلك جمعها ، وهذا وقت كونها علقة .الثالثة : نسبة الخلق والتصوير للملك نسبة مجازية لا حقيقية ، وأن ما صدر عنه فعل ما في المضغة كان عند التصوير ، والتشكيل بقدرة الله ، وخلقه ، واختراعه ؛ ألا تراه سبحانه قد أضاف إليه الخلقة الحقيقية ، وقطع عنها نسب جميع الخليقة ، فقال : ولقد خلقناكم ثم صورناكم . وقال : ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين . وقال : يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة . وقال تعالى : هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن . ثم قال : وصوركم فأحسن صوركم . وقال : لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم . وقال : خلق الإنسان من علق . إلى غير ذلك من الآيات ، مع ما دلت عليه قاطعات البراهين أن لا خالق لشيء من المخلوقات إلا رب العالمين . وهكذا القول في قوله : ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح أي أن النفخ سبب خلق الله فيها الروح والحياة . وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة ؛ فإنه بإحداث الله تعالى لا بغيره . فتأمل هذا الأصل وتمسك به ، ففيه النجاة من مذاهب أهل الضلال الطبعيين وغيرهم .الرابعة : لم يختلف العلماء أن نفخ الروح فيه يكون بعد مائة وعشرين يوما ، وذلك تمام أربعة أشهر ودخوله في الخامس ؛ كما بيناه بالأحاديث . وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الأحكام في الاستلحاق عند التنازع ، وفي وجوب النفقات على حمل المطلقات ؛ وذلك لتيقنه بحركة الجنين في الجوف . وقد قيل : إنه الحكمة في عدة المرأة من الوفاة بأربعة أشهر وعشر ، وهذا الدخول في الخامس يحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة إذا لم يظهر حمل .الخامسة : النطفة ليست بشيء يقينا ، ولا يتعلق بها حكم إذا ألقتها المرأة إذا لم تجتمع في الرحم ، فهي كما لو كانت في صلب الرجل ؛ فإذا طرحته علقة فقد تحققنا أن النطفة قد استقرت واجتمعت واستحالت إلى أول أحوال يتحقق به أنه ولد . وعلى هذا فيكون وضع العلقة فما فوقها من المضغة وضع حمل ، تبرأ به الرحم ، وتنقضي به العدة ، ويثبت به لها حكم أم الولد . وهذا مذهب مالك - رضي الله عنه - وأصحابه . وقال الشافعي - رضي الله عنه - : لا اعتبار بإسقاط العلقة ، وإنما الاعتبار بظهور الصورة والتخطيط ؛ فإن خفي التخطيط ، وكان لحما فقولان بالنقل والتخريج ، والمنصوص أنه تنقضي به العدة ولا تكون أم ولد . قالوا : لأن العدة تنقضي بالدم الجاري ، فبغيره أولى .السادسة : قوله تعالى : مخلقة وغير مخلقة قال الفراء : ( مخلقة ) تامة الخلق ، وغير مخلقة السقط . وقال ابن الأعرابي : ( مخلقة ) قد بدأ خلقها ، وغير مخلقة لم تصور بعد . ابن زيد : المخلقة التي خلق الله فيها الرأس ، واليدين ، والرجلين ، وغير مخلقة التي لم يخلق فيها شيء . قال ابن العربي : إذا رجعنا إلى أصل الاشتقاق فإن النطفة ، والعلقة ، والمضغة مخلقة ؛ لأن الكل خلق الله تعالى ، وإن رجعنا إلى التصوير الذي هو منتهى الخلقة كما قال الله تعالى : ثم أنشأناه خلقا آخر فذلك ما قال ابن زيد .قلت : التخليق من الخلق ، وفيه معنى الكثرة ، فما تتابع عليه الأطوار فقد خلق خلقا بعد خلق ، وإذا كان نطفة فهو مخلوق ؛ ولهذا قال الله تعالى : ثم أنشأناه خلقا آخر والله أعلم . وقد قيل : إن قوله : مخلقة وغير مخلقة يرجع إلى الولد بعينه لا إلى السقط ؛ أي منهم من يتم الرب سبحانه مضغته فيخلق له الأعضاء أجمع ، ومنهم من يكون خديجا ناقصا غير تام . وقيل : ( المخلقة أن تلد المرأة لتمام الوقت ) . ابن عباس : المخلقة ما كان حيا ، وغير المخلقة السقط . قال .أفي غير المخلقة البكاء فأين الحزم ويحك والحياءالسابعة : أجمع العلماء على أن الأمة تكون أم ولد بما تسقطه من ولد تام الخلق . وعند مالك ، والأوزاعي ، وغيرهما بالمضغة كانت مخلقة أو غير مخلقة . قال مالك : إذا علم أنها مضغة . وقال الشافعي ، وأبو حنيفة : إن كان قد تبين له شيء من خلق بني آدم أصبع أو عين أو غير ذلك فهي له أم ولد . وأجمعوا على أن المولود إذا استهل صارخا يصلى عليه ؛ فإن لم يستهل صارخا لم يصل عليه عند مالك ، وأبي حنيفة ، والشافعي ، وغيرهم . وروي عن ابن عمر أنه يصلى عليه ؛ وقال ابن المسيب ، وابن سيرين ، وغيرهما . وروي عن المغيرة بن شعبة أنه كان يأمر بالصلاة على السقط ، ويقول سموهم ، واغسلوهم ، وكفنوهم ، وحنطوهم ؛ فإن الله أكرم بالإسلام كبيركم وصغيركم ، ويتلو هذه الآية فإنا خلقناكم من تراب إلى وغير مخلقة . قال ابن العربي : لعل المغيرة بن شعبة أراد بالسقط ما تبين خلقه فهو الذي يسمى ، وما لم يتبين خلقه فلا وجود له . وقال بعض السلف : يصلى عليه متى نفخ فيه الروح وتمت له أربعة أشهر . وروى أبو داود ، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا استهل المولود ورث . الاستهلال : رفع الصوت ؛ فكل مولود كان ذلك منه ، أو حركة ، أو عطاس ، أو تنفس فإنه يورث لوجود ما فيه من دلالة الحياة . وإلى هذا ذهب سفيان الثوري ، والأوزاعي ، والشافعي . قال الخطابي : وأحسنه قول أصحاب الرأي . وقال مالك : لا ميراث له ، وإن تحرك ، أو عطس ما لم يستهل . وروي عن محمد بن سيرين ، والشعبي ، والزهري ، وقتادة .الثامنة : قال مالك - رضي الله عنه - : ما طرحته المرأة من مضغة ، أو علقة ، أو ما يعلم أنه ولد إذا ضرب بطنها ففيه الغرة . وقال الشافعي : لا شيء فيه حتى يتبين من خلقه . قال مالك : إذا سقط الجنين فلم يستهل صارخا ففيه الغرة . وسواء تحرك ، أو عطس فيه الغرة أبدا ، حتى يستهل صارخا ففيه الدية كاملة . وقال الشافعي - رضي الله عنه - وسائر فقهاء الأمصار : إذا علمت حياته بحركة ، أو بعطاس ، أو باستهلال ، أو بغير ذلك مما تستيقن به حياته ففيه الدية .التاسعة : ذكر القاضي إسماعيل أن عدة المرأة تنقضي بالسقط الموضوع ، واحتج عليه بأنه حمل ، وقال : قال الله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن . قال القاضي إسماعيل : والدليل على ذلك أنه يرث أباه ، فدل على وجوده خلقا وكونه ولدا وحملا . قال ابن العربي : ولا يرتبط به شيء من هذه الأحكام إلا أن يكون مخلقا .قلت : ما ذكرناه من الاشتقاق وقوله - عليه الصلاة والسلام - : إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه يدل على صحة ما قلناه ، ولأن مسقطة العلقة والمضغة يصدق على المرأة إذا ألقته أنها كانت حاملا وضعت ما استقر في رحمها ، فيشملها قوله تعالى : وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ولأنها وضعت مبدأ الولد عن نطفة متجسدا كالمخطط ، وهذا بين .العاشرة : روى ابن ماجه ، حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، حدثنا خالد بن مخلد ، حدثنا يزيد ، عن عبد الملك النوفلي ، عن يزيد بن رومان ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لسقط أقدمه بين يدي أحب إلي من فارس أخلفه . وأخرجه الحاكم في معرفة علوم الحديث له عن سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، فقال : أحب إلي من ألف فارس أخلفه ورائي .الحادية عشرة : لنبين لكم يريد : كمال قدرتنا بتصريفنا أطوار خلقكم . ونقر في الأرحام قرئ بنصب ( نقر ) و ( نخرج ) ، رواه أبو حاتم ، عن أبي زيد ، عن المفضل ، عن عاصم ، قال : قال أبو حاتم : النصب على العطف . وقال الزجاج : ( نقر ) بالرفع لا غير ؛ لأنه ليس المعنى : فعلنا ذلك لنقر في الأرحام ما نشاء ، وإنما خلقهم - عز وجل - ليدلهم على الرشد والصلاح . وقيل : المعنى لنبين لهم أمر البعث ؛ فهو اعتراض بين الكلامين . وقرأت هذه الفرقة بالرفع ( ونقر ) ؛ المعنى : ونحن نقر . وهي قراءة الجمهور . وقرئ : ( ويقر ) و ( يخرجكم ) بالياء ، والرفع على هذا سائغ . وقرأ . ابن وثاب ( ما نشاء ) بكسر النون . والأجل المسمى يختلف بحسب جنين جنين ؛ فثم من يسقط ، وثم من يكمل أمره ويخرج حيا . وقال : ( ما نشاء ) ولم يقل : من نشاء لأنه يرجع إلى الحمل ؛ أي يقر في الأرحام ما يشاء من الحمل ومن المضغة وهي جماد فكنى عنها بلفظ ما .الثانية عشرة : قوله تعالى : ( ثم نخرجكم طفلا ) أي أطفالا ؛ فهو اسم جنس . وأيضا فإن العرب قد تسمي الجمع باسم الواحد ؛ قال الشاعر :يلحينني في حبها ويلمنني إن العواذل ليس لي بأميرولم يقل أمراء . وقال المبرد : وهو اسم يستعمل مصدرا كالرضا والعدل ، فيقع على الواحد والجمع ؛ قال الله تعالى : أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء . وقال الطبري : وهو نصب على التمييز ، كقوله تعالى : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا . وقيل : المعنى ثم نخرج كل واحد منكم طفلا . والطفل يطلق من وقت انفصال الولد إلى البلوغ . وولد كل وحشية أيضا طفل . ويقال : جارية طفل ، وجاريتان طفل ، وجوار طفل ، وغلام طفل ، وغلمان طفل . ويقال أيضا : طفل ، وطفلة ، وطفلان ، وطفلتان ، وأطفال . ولا يقال : طفلات . وأطفلت المرأة صارت ذات طفل . والمطفلة : الظبية معها طفلها ، وهي قريبة عهد بالنتاج . وكذلك الناقة ، مطافل ومطافيل . والطفل ( بالفتح في الطاء ) الناعم ؛ يقال : جارية طفلة أي ناعمة ، وبنان طفل . وقد طفل الليل إذا أقبل ظلامه . والطفل ( بالتحريك ) : بعد العصر إذا طفلت الشمس للغروب . والطفل ( أيضا ) : مطر ؛ قال :لوهد جاده طفل الثرياثم لتبلغوا أشدكم قيل : إن ( ثم ) زائدة كالواو في قوله : حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها ؛ لأن ثم من حروف النسق كالواو . ( أشدكم ) كمال عقولكم ، ونهاية قواكم . وقد مضى في ( الأنعام ) بيانه . ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم أي أخسه وأدونه ، وهو الهرم والخرف حتى لا يعقل ؛ ولهذا قال : لكيلا يعلم من بعد علم شيئا كما قال في سورة يس : ومن نعمره ننكسه في الخلق . وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - . يدعو فيقول : اللهم إني أعوذ بك من البخل ، وأعوذ بك من الجبن ، وأعوذ بك أن أرد إلى أرذل العمر ، وأعوذ بك من فتنة الدنيا ، وعذاب القبر . أخرجه النسائي ، عن سعد ، وقال : وكان يعلمهن بنيه كما يعلم المكتب الغلمان . وقد مضى في النحل هذا المعنى .قوله تعالى : وترى الأرض هامدة ذكر دلالة أقوى على البعث فقال في الأول : فإنا خلقناكم من تراب فخاطب جمعا . وقال في الثاني : وترى الأرض فخاطب واحدا ، فانفصل اللفظ عن اللفظ ، ولكن المعنى متصل من حيث الاحتجاج على منكري البعث . ( هامدة ) يابسة لا تنبت شيئا ؛ قال ابن جريج . وقيل : دارسة . والهمود الدروس . قال الأعشى :قالت قتيلة ما لجسمك شاحبا وأرى ثيابك باليات همداالهروي : ( هامدة ) أي جافة ذات تراب . وقال شمر : يقال : همد شجر الأرض إذا بلي وذهب . وهمدت أصواتهم إذا سكنت . وهمود الأرض ألا يكون فيها حياة ، ولا نبت ، ولا عود ، ولم يصبها مطر . وفي الحديث : حتى كاد يهمد من الجوع أي يهلك . يقال : همد الثوب يهمد إذا بلي . وهمدت النار تهمد .قوله تعالى : فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت أي تحركت . والاهتزاز : شدة الحركة ؛ يقال : هززت الشيء فاهتز ؛ أي حركته فتحرك . وهز الحادي الإبل هزيزا فاهتزت هي إذا تحركت في سيرها بحدائه . واهتز الكوكب في انقضاضه . وكوكب هاز . فالأرض تهتز بالنبات ؛ لأن النبات لا يخرج منها حتى يزيل بعضها من بعض إزالة خفية ؛ فسماه اهتزازا مجازا . وقيل : اهتز نباتها ، فحذف المضاف ؛ قال المبرد ، واهتزازه شدة حركته ، كما قال الشاعر :تثنى إذا قامت وتهتز إن مشت كما اهتز غصن البان في ورق خضروالاهتزاز في النبات أظهر منه في الأرض . ( وربت ) أي ارتفعت وزادت . وقيل : انتفخت ؛ والمعنى واحد ، وأصله الزيادة . ربا الشيء يربو ربوا أي زاد ؛ ومنه الربا والربوة . وقرأ يزيد بن القعقاع ، وخالد بن إلياس ( وربأت ) أي ارتفعت حتى صارت بمنزلة الربيئة ، وهو الذي يحفظ القوم على شيء مشرف ؛ فهو رابئ وربيئة على المبالغة . قال امرؤ القيس :بعثنا ربيئا قبل ذاك مخملا كذئب الغضا يمشي الضراء ويتقي( وأنبتت ) أي أخرجت . ( من كل زوج ) أي لون . ( بهيج ) أي حسن ؛ عن قتادة . أي يبهج من يراه . والبهجة الحسن ؛ يقال : رجل ذو بهجة . وقد بهج ( بالضم ) بهاجة وبهجة فهو بهيج . وأبهجني أعجبني بحسنه . ولما وصف الأرض بالإنبات دل على أن قوله : اهتزت وربت يرجع إلى الأرض لا إلى النبات ، والله أعلم .
ex