سورة الحج : الآية 13

تفسير الآية 13 سورة الحج

يَدْعُوا۟ لَمَن ضَرُّهُۥٓ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِۦ ۚ لَبِئْسَ ٱلْمَوْلَىٰ وَلَبِئْسَ ٱلْعَشِيرُ

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

ومن الناس مَن يدخل في الإسلام على ضعف وشكٍّ، فيعبد الله على تردده، كالذي يقف على طرف جبل أو حائط لا يتماسك في وقفته، ويربط إيمانه بدنياه، فإن عاش في صحة وسَعَة استمر على عبادته، وإن حصل له ابتلاء بمكروه وشدة عزا شؤم ذلك إلى دينه، فرجع عنه كمن ينقلب على وجهه بعد استقامة، فهو بذلك قد خسر الدنيا؛ إذ لا يغيِّر كفرُه ما قُدِّر له في دنياه، وخسر الآخرة بدخوله النار، وذلك خسران بيِّن واضح. يعبد ذلك الخاسر من دون الله ما لا يضره إن تركه، ولا ينفعه إذا عبده، ذلك هو الضلال البعيد عن الحق. يدعو مَن ضررُه المحقق أقرب من نفعه، قبح ذلك المعبود نصيرًا، وقبح عشيرًا.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«يدعو لمن» اللام زائدة «ضره» بعبادته «أقرب من نفعه» إن نفع بتخيله «لبئس المولى» هو أي الناصر «ولبئس العشير» الصاحب هو، وعقب ذكر الشاك بالخسران بذكر المؤمنين بالثواب في.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ فإن ضرره في العقل والبدن والدنيا والآخرة معلوم لَبِئْسَ الْمَوْلَى أي: هذا المعبود وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ أي: القرين الملازم على صحبته، فإن المقصود من المولى والعشير، حصول النفع، ودفع الضرر، فإذا لم يحصل شيء من هذا، فإنه مذموم ملوم.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

( يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ) أي : ضرره في الدنيا قبل الآخرة أقرب من نفعه فيها ، وأما في الآخرة فضرره محقق متيقن .وقوله : ( لبئس المولى ولبئس العشير ) : قال مجاهد : يعني الوثن ، يعني : بئس هذا الذي دعا به من دون الله مولى ، يعني : وليا وناصرا ، ( ولبئس العشير ) وهو المخالط والمعاشر .واختار ابن جرير أن المراد : لبئس ابن العم والصاحب من يعبد [ الله ] على حرف ، ( فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه )وقول مجاهد : إن المراد به الوثن ، أولى وأقرب إلى سياق الكلام ، والله أعلم .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

ثم أضاف- سبحانه- إلى تبكيت هذا المذبذب وتقريعه تقريعا آخر فقال: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ، لَبِئْسَ الْمَوْلى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ.والمولى: هو كل من انعقد بينك وبينه سبب، يجعلك تواليه ويواليك، وتناصره ويناصرك.والعشير: هو من يعاشرك ويخالطك في حياتك.أى: يعبد هذا الإنسان الجاهل المضطرب، معبودا ضرره أقرب من منفعته، لبئس الناصر ولبئس الصاحب هذا المعبود.فإن قيل: كيف نجمع بين هذه الآية التي جعلت المعبود الباطل ضرره أقرب من نفعه، وبين الآية السابقة عليها والتي نفت الضر والنفع نفيا تاما.وقد أجاب العلماء عن هذا التساؤل بإجابات منها: أن لفظ «يدعو» في الآية الثانية بمعنى يقول.وقد صدر الآلوسى تفسيره للآية بهذا الرأى فقال ما ملخصه: «قوله- تعالى- يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ. استئناف يبين مآل دعائه وعبادته غير الله- تعالى- ويقرر كون ذلك ضلالا بعيدا. فالدعاء هنا بمعنى القول.أى: يقول الكافر يوم القيامة برفع صوت، وصراخ حين يرى تضرره بمعبوده ودخوله النار بسببه، ولا يرى منه أثرا مما كان يتوقعه منه من نفع أو دفع ضر: والله لبئس الذي يتخذ ناصرا- من دون الله- ولبئس الذي يعاشر ويخالط، فكيف بما هو ضرر محض، عار عن النفع بالكلية، وفي هذا من المبالغة في تقبيح حال الصنم والإمعان في ذمه ما لا يخفى ... » .ومنها ما ذكره الإمام القرطبي فقال: قوله- تعالى- يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ أى: هذا الذي انقلب على وجهه يدعو من ضره أدنى من نفعه، أى: في الآخرة، لأنه بعبادته دخل النار. ولم ير منه نفعا أصلا، ولكنه قال: ضره أقرب من نفعه، ترفيعا للكلام، كقوله- تعالى-: وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ .ومنها: ما ذكره بعض العلماء من أن الآية الأولى في شأن الذين يعبدون الأصنام، إذ الأصنام لا تنفع من عبدها، ولا تضر من كفر بها، ولذا قال فيها: ما لا يضره وما لا ينفعه، والقرينة على أن المراد بذلك الأصنام: التعبير بلفظة «ما» في قوله:ما لا يَضُرُّهُ وَما لا يَنْفَعُهُ لأن لفظ «ما» يأتى- غالبا- لما لا يعقل. والأصنام لا تعقل.أما الآية الثانية فهي في شأن من عبد بعض الطغاة من دون الله، كفرعون القائل لقومه:«ما علمت لكم من إله غيرى» فإن فرعون وأمثاله من الطغاة المعبودين، قد يغدقون نعم الدنيا على عابديهم. وهذا النفع الدنيوي بالنسبة لما سيلاقونه من عذاب لا شيء. فضر هذا المعبود بخلود عابده في النار. أقرب من نفعه بعرض قليل زائل من حطام الدنيا.والقرينة على أن المراد بالمعبود الباطل في الآية الثانية بعض الطغاة الذين هم من جنس العقلاء: هي التعبير «بمن» التي تأتى- غالبا- لمن يعقل، كما قال- تعالى-: يَدْعُوا لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ.. .ويبدو لنا أن هذا القول الأخير له وجه من القبول.وبذلك نرى السورة الكريمة قد ساقت لنا نماذج من أحوال الناس في هذه الحياة. لكي يحذرهم المؤمنون ليهلك من هلك عن بينة ويحيا من حي عن بينة.ثم بينت السورة الكريمة ما أعده الله- تعالى- للمؤمنين الصادقين من حسن الثواب، بعد أن صرحت بما توعد به- سبحانه- المجادلين فيه بغير علم بسوء العقاب، فقال- تعالى-:

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( يدعو لمن ضره أقرب من نفعه ) هذه الآية من مشكلات القرآن وفيها أسئلةأولها قالوا قد قال الله في الآية الأولى " يدعو من دون الله ما لا يضره " وقال هاهنا " لمن ضره أقرب " فكيف التوفيق بينهما؟قيل قوله في الآية الأولى " يدعو من دون الله ما لا يضره " أي لا يضره ترك عبادته وقوله " لمن ضره أقرب " أي ضر عبادتهفإن قيل قد قال " لمن ضره أقرب من نفعه " ولا نفع في عبادة الصنم أصلا؟قيل هذا على عادة العرب فإنهم يقولون لما لا يكون أصلا بعيد كقوله تعالى : ( ذلك رجع بعيد ) ( ق : 3 ) أي لا رجع أصلا فلما كان نفع الصنم بعيدا على معنى أنه لا نفع فيه أصلا قيل ضره أقرب لأنه كائنالسؤال الثالث قوله ( لمن ضره أقرب ) ما وجه هذه اللام؟ اختلفوا فيه فقال بعضهم هي صلة ، مجازها يدعو من ضره أقرب وكذلك قرأها ابن مسعود . وقيل " لمن ضره " أي إلى الذي ضره أقرب من نفعه وقيل " يدعو " بمعنى يقول والخبر محذوف أي يقول لمن ضره أقرب من نفعه هو إلهوقيل معناه يدعو لمن ضره أقرب من نفعه يدعو فحذف يدعو الأخيرة اجتزاء بالأولى ولو قلت يضرب لمن خيره أكثر من شره يضرب ثم يحذف الأخير جازوقيل على التوكيد ، معناه يدعو والله لمن ضره أقرب من نفعهوقيل " يدعو من " صلة قوله " ذلك هو الضلال البعيد " يقول ذلك هو الضلال البعيد يدعو ثم استأنف فقال : " لمن ضره أقرب من نفعه " فيكون " من " في محل رفع بالابتداء وخبره ( لبئس المولى ) أي الناصر وقيل المعبود . ( ولبئس العشير ) أي الصاحب والمخالط يعني الوثن والعرب تسمي الزوج عشيرا لأجل المخالطة .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : يدعو لمن ضره أقرب من نفعه لبئس المولى ولبئس العشيرقوله تعالى : يدعو لمن ضره أقرب من نفعه أي هذا الذي انقلب على وجهه يدعو من ضره أدنى من نفعه ؛ أي في الآخرة لأنه بعبادته دخل النار ، ولم ير منه نفعا أصلا ، ولكنه قال : ضره أقرب من نفعه ترفيعا للكلام ؛ كقوله تعالى : وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين . وقيل : يعبدونهم توهم أنهم يشفعون لهم غدا كما ؛ قال الله تعالى : ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله . وقال تعالى : ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى . وقال الفراء ، والكسائي ، والزجاج : معنى الكلام القسم ، والتأخير ؛ أي يدعو والله لمن ضره أقرب من نفعه . فاللام مقدمة في غير موضعها . و ( من ) في موضع نصب ب ( يدعو ) واللام جواب القسم . و ( ضره ) مبتدأ . و ( أقرب ) خبره . وضعف النحاس تأخير الكلام وقال : وليس للام من التصرف ما يوجب أن يكون فيها تقديم ولا تأخير .قلت : حق اللام التقديم وقد تؤخر ؛ قال الشاعر :خالي لأنت ومن جرير خاله ينل العلاء ويكرم الأخوالاأي لخالي أنت ؛ وقد تقدم . النحاس : وحكى لنا علي بن سليمان ، عن محمد بن يزيد قال : في الكلام حذف ؛ والمعنى يدعو لمن ضره أقرب من نفعه إلها . قال النحاس : وأحسب هذا القول غلطا على محمد بن يزيد ؛ لأنه لا معنى له ، لأن ما بعد اللام مبتدأ فلا يجوز نصب إله ، وما أحسب مذهب محمد بن يزيد إلا قول الأخفش ، وهو أحسن ما قيل في الآية عندي ، والله أعلم ، قال : ( يدعو ) بمعنى يقول . و ( من ) مبتدأ وخبره محذوف ، والمعنى يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه .قلت : وذكر هذا القول القشيري - رحمه الله - عن الزجاج ، والمهدوي ، عن الأخفش ، وكمل إعرابه فقال : ( يدعو ) بمعنى يقول ، و ( من ) مبتدأ ، و ( ضره ) مبتدأ ثان ، و ( أقرب ) خبره ، والجملة صلة ( من ، ) وخبر ( من ) محذوف ، والتقدير يقول لمن ضره أقرب من نفعه إلهه ؛ ومثله قول عنترة :يدعون : عنتر ، والرماح كأنها أشطان بئر في لبان الأدهمقال القشيري : والكافر الذي يقول الصنم معبودي لا يقول ضره أقرب من نفعه ؛ ولكن المعنى يقول الكافر لمن ضره أقرب من نفعه في قول المسلمين معبودي وإلهي . وهو كقوله تعالى : يا أيها الساحر ادع لنا ربك ؛ أي يا أيها الساحر عند أولئك الذين يدعونك ساحرا .وقال الزجاج : يجوز أن يكون ( يدعو ) في موضع الحال ، وفيه هاء محذوفة ؛ أي ذلك هو الضلال البعيد يدعوه ، أي في حال دعائه إياه ؛ ففي ( يدعو ) هاء مضمرة ، ويوقف على هذا على يدعو . وقوله : لمن ضره أقرب من نفعه كلام مستأنف مرفوع بالابتداء ، وخبره لبئس المولى وهذا لأن اللام لليمين والتوكيد فجعلها أول الكلام . قال الزجاج : ويجوز أن يكون ( ذلك ) بمعنى الذي ، ويكون في محل النصب بوقوع ( يدعو ) عليه ؛ أي الذي هو الضلال البعيد يدعو ؛ كما قال : وما تلك بيمينك ياموسى أي ما الذي . ثم قوله ( لمن ضره ) كلام مبتدأ ، و ( لبئس المولى ) خبر المبتدإ ؛ وتقدير الآية على هذا : يدعو الذي هو الضلال البعيد ؛ قدم المفعول وهو الذي ؛ كما تقول : زيدا يضرب ؛ واستحسنه أبو علي . وزعم الزجاج أن النحويين أغفلوا هذا القول ؛ وأنشد [ يزيد بن ربيعة الحميري ] :عدس ما لعباد عليك إمارة نجوت وهذا تحملين طليقأي والذي . وقال الزجاج أيضا والفراء : يجوز أن يكون ( يدعو ) مكررة على ما قبلها ، على جهة تكثير هذا الفعل الذي هو الدعاء ، ولا تعديه إذ قد عديته أولا ؛ أي يدعو من دون الله ما لا ينفعه ولا يضره يدعو ؛ مثل ضربت زيدا ضربت ، ثم حذفت يدعو الآخرة اكتفاء بالأولى . قال الفراء : ويجوز ( لمن ضره ) بكسر اللام ؛ أي يدعو إلى من ضره أقرب من نفعه ، قال الله - عز وجل - : بأن ربك أوحى لها أي إليها . وقال الفراء أيضا والقفال : اللام صلة ؛ أي يدعو من ضره أقرب من نفعه ؛ أي يعبده . وكذلك هو في قراءة عبد الله بن مسعود . لبئس المولى أي في التناصر ولبئس العشير أي المعاشر والصاحب والخليل . مجاهد : يعني الوثن .
ex