سورة الفرقان : الآية 77

تفسير الآية 77 سورة الفرقان

قُلْ مَا يَعْبَؤُا۟ بِكُمْ رَبِّى لَوْلَا دُعَآؤُكُمْ ۖ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًۢا

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

أخبر الله تعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بالناس، لولا دعاؤهم إياه دعاء العبادة ودعاء المسألة، فقد كَذَّبتم-أيها الكافرون- فسوف يكون تكذيبكم مُفْضِيًا لعذاب يلزمكم لزوم الغريم لغريمه، ويهلككم في الدنيا والآخرة.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«قل» يا محمد لأهل مكة «ما» نافية «يعبأ» يكترث «بكم ربي لولا دعاؤكم» إياه في الشدائد فيكشفها «فقد» أي فكيف يعبأ بكم وقد «كذبتم» الرسول والقرآن «فسوف يكون» العذاب «لزاما» ملازما لكم في الآخرة بعد ما يحلّ بكم في الدنيا، فقتل منهم يوم بدر سبعون وجواب لولا دلَّ عليه ما قبلها.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

فأخبر تعالى أنه لا يبالي ولا يعبأ بغير هؤلاء وأنه لولا دعاؤكم إياه دعاء العبادة ودعاء المسألة ما عبأ بكم ولا أحبكم فقال: قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا أي: عذابا يلزمكم لزوم الغريم لغريمه وسوف يحكم الله بينكم وبين عباده المؤمنين.

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

ثم قال تعالى : ( قل ما يعبأ بكم ربي ) أي : لا يبالي ولا يكترث بكم إذا لم تعبدوه; فإنه إنما خلق الخلق ليعبدوه ويوحدوه ويسبحوه بكرة وأصيلا .وقال مجاهد ، وعمرو بن شعيب : ( ما يعبأ بكم ربي ) يقول : ما يفعل بكم ربي .وقال علي بن أبي طلحة ، عن ابن عباس في قوله : ( قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) يقول : لولا إيمانكم ، وأخبر الله الكفار أنه لا حاجة له بهم إذ لم يخلقهم مؤمنين ، ولو كان له بهم حاجة لحبب إليهم الإيمان كما حببه إلى المؤمنين .وقوله : ( فقد كذبتم ) أي : أيها الكافرون ( فسوف يكون لزاما ) أي : فسوف يكون تكذيبكم لزاما لكم ، يعني : مقتضيا لهلاككم وعذابكم ودماركم في الدنيا والآخرة ، ويدخل في ذلك يوم بدر ، كما فسره بذلك عبد الله بن مسعود ، وأبي بن كعب ، ومحمد بن كعب القرظي ، ومجاهد ، والضحاك ، وقتادة ، والسدي ، وغيرهم .وقال الحسن البصري : ( فسوف يكون لزاما ) يعني : يوم القيامة . ولا منافاة بينهما . والله أعلم .آخر تفسير سورة الفرقان ولله الحمد والمنة.

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

قال القرطبي: يقال: ما عبأت بفلان، أى: ما باليت به. أى: ما كان له عندي وزن ولا قدر. وأصل يعبأ: من العبء وهو الثقل.. فالعبء: الحمل الثقيل، والجمع أعباء.و «ما» استفهامية، وليس يبعد أن تكون نافية، لأنك إذا حكمت بأنها استفهام فهو نفى خرج مخرج الاستفهام، وحقيقة القول عندي أن موضع «ما» نصب والتقدير أى عبء يعبأ بكم ربي؟ أى: أى مبالاة يبالى بكم ربي لولا دعاؤكم.. .هذا، وللعلماء في تفسير هذه الآية أقوال منها: أن قوله- تعالى-: قُلْ ما يَعْبَؤُا بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعاؤُكُمْ خطاب للمؤمنين أو للناس جميعا، وأن المصدر وهو. دعاؤكم مضاف لفاعله، وأن بقية الآية وهي قوله: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ.. خطاب للكافرين، والمعنى على هذا القول:قل- أيها الرسول الكريم- للمؤمنين أو للناس جميعا، أى اعتداد لكم عند ربكم لولا دعاؤكم، أى: لولا عبادتكم له- عز وجل- أى: لولا إخلاصكم العبادة له لما اعتد بكم.ثم أفرد الكافرين بالخطاب فقال: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ أيها الكافرون فَسَوْفَ يَكُونُ لِزاماً.أى: فسوف يكون جزاء التكذيب «لزاما» أى: عذابا دائما ملازما لكم. فلزاما مصدر لازم، كقاتل قتالا، والمراد به هنا اسم الفاعل.وقد وضح صاحب الكشاف هذا القول فقال: لما وصف الله- تعالى- عبادة العباد، وعدد صالحاتهم وحسناتهم.. أتبع ذلك ببيان أنه إنما اكترث لأولئك وعبأ بهم وأعلى ذكرهم، لأجل عبادتهم فأمر رسوله صلّى الله عليه وسلّم أن يصرح للناس، ويجزم لهم القول، بأن الاكتراث لهم عند ربهم، إنما هو للعبادة وحدها لا لمعنى آخر ...وقوله فَقَدْ كَذَّبْتُمْ يقول: إذا أعلمتكم أن حكمى، أنى لا أعتد بعبادي إلا من أجل عبادتهم، فقد خالفتم بتكذيبكم حكمى، فسوف يلزمكم أثر تكذيبكم حتى يكبكم في النار.ونظيره في الكلام أن يقول الملك لمن عصاه: «إن من عادتي أن أحسن إلى من يطيعني، ويتبع أمرى، فقد عصيت فسوف ترى ما أحل بك بسبب عصيانك ... » .ومن العلماء من يرى أن الخطاب في الآية للكافرين، وأن المصدر مضاف لمفعوله، فيكون المعنى: قل- أيها الرسول الكريم- لهؤلاء الكافرين، ما يعبأ بكم ربي، ولا يكترث لوجودكم، لولا دعاؤه إياكم على لساني، إلى توحيده وإخلاص العبادة له، وبما أنى قد دعوتكم فكذبتم دعوتي. فسوف يكون عاقبة ذلك ملازمة العذاب لكم.وهذا قول جيد ولا إشكال فيه وقد تركنا بعض الأقوال لضعفها، وغناء هذين القولين عنها.وبعد: فهذا تفسير لسورة «الفرقان» تلك السورة التي حكت شبهات المشركين وأبطلتها. وساقت ما ساقت من تسلية الرسول صلّى الله عليه وسلّم وتثبيته، وبشرت عباد الرحمن بأرفع المنازل.ونسأل الله- تعالى- أن يجعلنا جميعا منهم، وأن يحشرنا في زمرتهم.

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

( قل ما يعبأ بكم ربي ) قال مجاهد وابن زيد : أي : ما يصنع وما يفعل بكم . قال أبو عبيدة يقال : ما عبأت به شيئا أي : لم أعده ، فوجوده وعدمه سواء ، مجازه : أي وزن وأي مقدار لكم عنده ، ) ( لولا دعاؤكم ) إياه ، وقيل : لولا إيمانكم ، وقيل : لولا عبادتكم ، وقيل : لولا دعاؤه إياكم إلى الإسلام ، فإذا آمنتم ظهر لكم قدر . وقال قوم : معناها : قل ما يعبأ بخلقكم ربي لولا عبادتكم وطاعتكم إياه يعني إنه خلقكم لعبادته ، كما قال : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( الذاريات - 56 ) وهذا قول ابن عباس ومجاهد . وقال قوم : " قل ما يعبأ " ما يبالي بمغفرتكم ربي لولا دعاؤكم معه آلهة ، أو ما يفعل بعذابكم لولا شرككم ، كما قال الله تعالى : ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم ( النساء - 147 ) . وقيل : ما يعبأ بعذابكم لولا دعاؤكم إياه في الشدائد ، كما قال : فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله ( العنكبوت - 65 ) ، وقال : فأخذناهم بالبأساء والضراء لعلهم يتضرعون ( الأنعام - 42 ) . وقيل : " قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم " يقول : ما خلقتكم ولي إليكم حاجة إلا أن تسألوني فأعطيكم وتستغفروني فأغفر لكم .) ( فقد كذبتم ) أيها الكافرون ، يخاطب أهل مكة ، يعني : إن الله دعاكم بالرسول إلى توحيده وعبادته فقد كذبتم الرسول ولم تجيبوه . ( فسوف يكون لزاما ) هذا تهديده لهم ، أي : يكون تكذيبكم لزاما ، قال ابن عباس : موتا . وقال أبو عبيدة : هلاكا وقال ابن زيد : قتالا . والمعنى : يكون التكذيب لازما لمن كذب ، فلا يعطى التوبة حتى يجازى بعمله . وقال ابن جرير عذابا دائما لازما وهلاكا مقيما يلحق بعضكم ببعض . واختلفوا فيه ، فقال قوم : هو يوم بدر قتل منهم سبعون وأسر سبعون . وهو قول عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب ومجاهد ومقاتل ، يعني : أنهم قتلوا يوم بدر واتصل بهم عذاب الآخرة لازما لهم . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا عمر بن حفص بن غياث ، أخبرنا أبي ، أخبرنا الأعمش ، حدثنا مسلم ، عن مسروق قال : قال عبد الله : خمس قد مضين : الدخان ، والقمر ، والروم ، والبطشة ، واللزام " ( فسوف يكون لزاما ) وقيل : اللزام هو عذاب الآخرة .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم هذه آية مشكلة تعلقت بها الملحدة . يقال : ما عبأت بفلان أي ما باليت به ; أي ما كان له عندي وزن ولا قدر . وأصل " يعبأ " من العبء وهو الثقل . وقول الشاعر [ أبو زبيد ] :كأن بصدره وبجانبيه عبيرا بات يعبئوه عروسأي يجعل بعضه على بعض . فالعبء الحمل الثقيل ، والجمع أعباء . والعبء المصدر . و " ما " استفهامية ; ظهر في أثناء كلام الزجاج ، وصرح به الفراء . وليس يبعد أن تكون نافية ; لأنك إذا حكمت بأنها استفهام فهو نفي خرج مخرج الاستفهام ; كما قال تعالى : هل جزاء الإحسان إلا الإحسان قال ابن الشجري : وحقيقة القول عندي أن موضع " ما " نصب ; والتقدير : أي عبء يعبأ بكم ; أي أي مبالاة يبالي ربي بكم لولا دعاؤكم ; أي لولا دعاؤه إياكم لتعبدوه ، فالمصدر الذي هو الدعاء على هذا القول مضاف إلى مفعوله ; وهو اختيار الفراء . وفاعله محذوف وجواب " لولا " محذوف كما حذف في قوله : ولو أن قرآنا سيرت به الجبال تقديره : لم يعبأ بكم . ودليل هذا القول قوله تعالى : وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فالخطاب لجميع الناس ; فكأنه قال لقريش منهم : أي ما يبالي الله بكم لولا عبادتكم إياه أن لو كانت ; وذلك الذي يعبأ بالبشر من أجله . ويؤيد هذا قراءة ابن الزبير وغيره . ( فقد كذب الكافرون ) فالخطاب ب " ما يعبأ " لجميع الناس ، ثم يقول لقريش : فأنتم قد كذبتم ولم تعبدوه فسوف يكون التكذيب هو سبب العذاب لزاما . وقال النقاش وغيره : المعنى ; لولا استغاثتكم إليه في الشدائد ونحو ذلك . بيانه : فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين ونحو هذا . وقيل : ما يعبأ بكم أي بمغفرة ذنوبكم ولا هو عنده عظيم لولا دعاؤكم معه الآلهة والشركاء . بيانه : ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم . قاله الضحاك . وقال الوليد بن أبي الوليد : بلغني فيها : أي ما خلقتكم ولي حاجة إليكم إلا أن تسألوني فأغفر لكم وأعطيكم . وروى وهب بن منبه أنه كان في التوراة : يا ابن آدم وعزتي ما خلقتك لأربح عليك إنما خلقتك لتربح علي فاتخذني بدلا من كل شيء فأنا خير لك من كل شيء . قال ابن جني : قرأ ابن الزبير وابن عباس فقد كذب الكافرون . قال الزهراوي والنحاس : وهي قراءة ابن مسعود وهي على التفسير ; للتاء والميم في " كذبتم " . وذهب القتبي والفارسي إلى أن الدعاء مضاف إلى الفاعل ، والمفعول محذوف . الأصل : لولا دعاؤكم آلهة من دونه ; وجواب " لولا " محذوف ، تقديره في هذا الوجه : لم يعذبكم . ونظير قوله : لولا دعاؤكم آلهة قوله : إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم . فقد كذبتم أي كذبتم بما دعيتم إليه ; هذا على القول الأول ; وكذبتم بتوحيد الله على الثاني . فسوف يكون لزاما أي يكون تكذيبكم ملازما لكم . والمعنى : فسوف يكون جزاء التكذيب ، كما قال : ووجدوا ما عملوا حاضرا أي جزاء ما عملوا ، وقوله : فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون أي جزاء ما كنتم تكفرون . وحسن إضمار التكذيب لتقدم ذكر فعله ; لأنك إذا ذكرت الفعل دل بلفظه على مصدره ، كما قال : ولو آمن أهل الكتاب لكان خيرا لهم أي لكان الإيمان . وقوله : وإن تشكروا يرضه لكم أي يرضى الشكر . ومثله كثير . وجمهور المفسرين على أن المراد باللزام هنا ما نزل بهم يوم بدر ، وهو قول عبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وأبي مالك ومجاهد ومقاتل وغيرهم . وفي صحيح مسلم عن عبد الله : وقد مضت البطشة والدخان واللزام . وسيأتي مبينا في سورة الدخان إن شاء الله تعالى . وقالت فرقة : هو توعد بعذاب الآخرة . وعن ابن مسعود أيضا : اللزام التكذيب نفسه ; أي لا يعطون التوبة منه ; ذكره الزهراوي ; فدخل في هذا يوم بدر وغيره من العذاب الذي يلزمونه . وقال أبو عبيدة : " لزاما " فيصلا أي فسوف يكون فيصلا بينكم وبين المؤمنين . والجمهور من القراء على كسر اللام ; وأنشد أبو عبيدة لصخر :فإما ينجوا من خسف أرض فقد لقيا حتوفهما لزاماولزاما وملازمة واحد . وقال الطبري : " لزاما " يعني عذابا دائما لازما ، وهلاكا مفنيا يلحق بعضكم ببعض ; كقول أبي ذؤيب :ففاجأه بعادية لزام كما يتفجر الحوض اللقيفيعني باللزام : الذي يتبع بعضه بعضا ، وباللقيف : المتساقط الحجارة المتهدم . النحاس : وحكى أبو حاتم عن أبي زيد قال : سمعت قعنبا أبا السمال يقرأ : " لزاما " بفتح اللام . قال أبو جعفر : يكون مصدر لزم ، والكسر أولى ، يكون مثل قتال ومقاتلة ، كما أجمعوا على الكسر في قوله عز وجل : ولولا كلمة سبقت من ربك لكان لزاما وأجل مسمى . قال غيره : " اللزام " بالكسر مصدر لازم لزاما مثل خاصم خصاما ، و " اللزام " بالفتح مصدر لزم مثل سلم سلاما أي سلامة ; ف " اللزام " بالفتح اللزوم ، واللزام الملازمة ، والمصدر في القراءتين وقع موقع اسم الفاعل . فاللزام وقع موقع ملازم ، واللزام وقع موقع لازم . كما قال تعالى : قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا أي غائرا . قال النحاس : وللفراء قول في اسم " يكون " قال : يكون مجهولا . وهذا غلط ; لأن المجهول لا يكون خبره إلا جملة ، كما قال تعالى : إنه من يتق ويصبر وكما حكى النحويون كان زيد منطلق . يكون في " كان " مجهول ويكون المبتدأ وخبره خبر المجهول ، التقدير : كان الحديث ; فأما أن يقال : كان منطلقا ، ويكون في " كان " مجهول ، فلا يجوز عند أحد علمناه . وبالله التوفيق وهو المستعان والحمد لله رب العالمين .
ex