سورة الفتح : الآية 21

تفسير الآية 21 سورة الفتح

وَأُخْرَىٰ لَمْ تَقْدِرُوا۟ عَلَيْهَا قَدْ أَحَاطَ ٱللَّهُ بِهَا ۚ وَكَانَ ٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَىْءٍ قَدِيرًا

التفسير الميسر (نخبة من العلماء)

وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها في أوقاتها التي قدَّرها الله لكم فعجَّل لكم غنائم "خيبر"، وكفَّ أيدي الناس عنكم، فلم ينلكم سوء مما كان أعداؤكم أضمروه لكم من المحاربة والقتال، ومن أن ينالوا ممن تركتموهم وراءكم في "المدينة"، ولتكون هزيمتهم وسلامتكم وغنيمتكم علامة تعتبرون بها، وتستدلون على أن الله حافظكم وناصركم، ويرشدكم طريقا مستقيما لا اعوجاج فيه. وقد وعدكم الله غنيمة أخرى لم تقدروا عليها، الله سبحانه وتعالى قادر عليها، وهي تحت تدبيره وملكه، وقد وعدكموها، ولا بد مِن وقوع ما وعد به. وكان الله على كل شيء قديرًا لا يعجزه شيء. ولو قاتلكم كفار قريش بـ "مكة" لانهزموا عنكم وولوكم ظهورهم، كما يفعل المنهزم في القتال، ثم لا يجدون لهم من دون الله وليًا يواليهم على حربكم، ولا نصيرًا يعينهم على قتالكم.

تفسير الجلالين (جلال الدين المحلي و السيوطي)

«وأخرى» صفة مغانم مقدرا مبتدأ «لم تقدروا عليها» هي من فارس والروم «قد أحاط الله بها» علم أنها ستكون لكم «وكان الله على كل شيء قديرا» أي لم يزل متصفا بذلك.

تفسير السعدي (عبد الرحمن بن ناصر بن عبد الله السعدي التميمي مفسر)

وَأُخْرَى أي: وعدكم أيضا غنيمة أخرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْهَا وقت هذا الخطاب، قَدْ أَحَاطَ اللَّهُ بِهَا أي: هو قادر عليها، وتحت تدبيره وملكه، وقد وعدكموها، فلا بد من وقوع ما وعد به، لكمال اقتدار الله تعالى، ولهذا قال: وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا

تفسير ابن كثير (عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير القرشي)

وقوله : ( وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا ) أي : وغنيمة أخرى وفتحا آخر معينا لم تكونوا تقدرون عليها ، قد يسرها الله عليكم ، وأحاط بها لكم ، فإنه تعالى يرزق عباده المتقين له من حيث لا يحتسبون .وقد اختلف المفسرون في هذه الغنيمة ، ما المراد بها ؟ فقال العوفي عن ابن عباس : هي خيبر . وهذا على قوله في قوله تعالى : ( فعجل لكم هذه ) إنها صلح الحديبية . وقاله الضحاك ، وابن إسحاق ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .وقال قتادة : هي مكة . واختاره ابن جرير .وقال ابن أبي ليلى ، والحسن البصري : هي فارس والروم .وقال مجاهد : هي كل فتح وغنيمة إلى يوم القيامة .وقال أبو داود الطيالسي : حدثنا شعبة ، عن سماك الحنفي ، عن ابن عباس : ( وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها ) قال : هذه الفتوح التي تفتح إلى اليوم .

تفسير الوسيط لطنطاوي (محمد سيد طنطاوي)

وقوله: وَأُخْرى لَمْ تَقْدِرُوا عَلَيْها قَدْ أَحاطَ اللَّهُ بِها ... معطوف على هذِهِ.أى: فعجل لكم هذه المغانم، وعجل لكم مغانم أخرى، لم تقدروا على الحصول عليها قبل ذلك لبعدها عن أن تنالها أيديكم. وقد أحاط الله بها لأنه- سبحانه- لا يعجزه شيء وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً.وتختلف الأقوال في هذه المغانم الأخرى فمنهم من يرى أنها فتح مكة، ومنهم من يرى أنها فتح خيبر. ومنهم من يرى أنها مغانم هوازن وثقيف، ومنهم من يرى أنها مغانم المسلمين من الفرس والروم.ويبدو لنا أن أرجح هذه الأقوال أولها، لأنه ترتب على هذا الصلح في الحديبية أن فتحت مكة بعد سنتين منه، بسبب نقض المشركين له، وقد تم فتحا بدون قتال يذكر، بعد أن حدث ما حدث بين المسلمين وبين مشركي مكة من قتال انتصر فيه المسلمون تارة كغزوة بدر، وانتصر فيه المشركون أخرى كغزوة أحد ...فالمسلمون لم يقدروا على دخول مكة إلا في عام الفتح، وبعد أن أحاط الله- تعالى- بها بقدرته التي لا يغلبها شيء، وبعد أن استعصت على المسلمين زمنا طويلا، وقد سلمها- سبحانه- لهم بأقل أنواع القتال وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً.والذي يتأمل في هذه الآيات الكريمة يرى الله- تعالى-، قد بشر المسلمين الذين شهدوا صلح الحديبية ببشارات متعددة.بشرهم- أولا- برضاه عنهم- وهذه أسمى بشارة وأعلاها..وبشرهم- ثانيا- بتفضله عليهم بمنحهم السكينة والطمأنينة التي تجعلهم في ثبات وأمان..وبشرهم- ثالثا- بفتوحات وغنائم منها القريب العاجل، ومنها الآجل المتحقق، الذي يكاد لتحققه أن يشاهدوه بأعينهم لأن الله- تعالى- وعد به ووعده لا يتخلف.

تفسير البغوي (الحسين بن مسعود البغوي أبو محمد)

قوله - عز وجل - : ( وأخرى لم تقدروا عليها ) أي وعدكم الله فتح بلدة أخرى لم تقدروا عليها ( قد أحاط الله بها ) حتى يفتحها لكم كأنه حفظها لكم ومنعها من غيركم حتى تأخذوها ، قال ابن عباس : علم الله أنه يفتحها لكم .واختلفوا فيها ، فقال ابن عباس ، والحسن ومقاتل : هي فارس والروم ، وما كانت العرب تقدر على قتال فارس والروم ، بل كانوا خولا لهم حتى قدروا عليها بالإسلام .وقال الضحاك وابن زيد : هي خيبر ، وعدها الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يصيبها ، ولم يكونوا يرجونها .وقال قتادة : هي مكة . وقال عكرمة : حنين . وقال مجاهد : ما فتحوا حتى اليوم .( وكان الله على كل شيء قديرا ) .

تفسير القرطبي (أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي)

قوله تعالى : وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا .قوله تعالى : ( وأخرى ) أخرى معطوفة على هذه ، أي : فعجل لكم هذه المغانم ومغانم أخرى . لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها قال ابن عباس : هي الفتوح التي فتحت على المسلمين ، كأرض فارس والروم ، وجميع ما فتحه المسلمون . وهو قول الحسن ومقاتل وابن أبي ليلى . وعن ابن عباس أيضا والضحاك وابن زيد وابن إسحاق : هي خيبر ، وعدها الله نبيه قبل أن يفتحها ، ولم يكونوا يرجونها حتى أخبرهم الله بها . وعن الحسن أيضا وقتادة : هو فتح مكة . وقال عكرمة : حنين ; لأنه قال : لم تقدروا عليها وهذا يدل على تقدم محاولة لها وفوات درك المطلوب في الحال كما كان في مكة ، قاله القشيري . وقال مجاهد : هي ما يكون إلى يوم القيامة . ومعنى قد أحاط الله بها : أي : أعدها لكم . فهي كالشيء الذي قد أحيط به من جوانبه ، فهو محصور لا يفوت ، فأنتم وإن لم تقدروا عليها في الحال فهي محبوسة عليكم لا تفوتكم . وقيل : أحاط الله بها علم أنها ستكون لكم ، كما قال : وأن الله قد أحاط بكل شيء علما . وقيل : حفظها الله عليكم . ليكون فتحها لكم . وكان الله على كل شيء قديرا
ex